للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأسف اغتماضا مثل اغتماض ليلة رمد العين. ومثله قول العجاج (١):

حتّى إذا صفّوا له جدارا

ف‍ «جدارا» الآن منصوب نصب المصدر، وليس منصوبا على أنه مفعول به، كقولك: صففت قدمك، إنما يريد: اصطفوا له اصطفاف جدار، فحذف الاصطفاف، وأقام «الجدار» مقامه، فنصبه على المصدر، كما ينصب الاصطفاف لو ظهر، وكذلك ما رويناه عن محمد بن الحسن عن ابن الأعرابى من قوله (٢):

وطعنة مستبسل ثائر (٣) … يردّ الكتيبة نصف النّهار (٤)

أى ردّ نصف النهار. ألا ترى أن ابن الأعرابى فسره فقال: يرد الكتيبة مقدار نصف يوم، فهذا يدلك على أنه أراد يردّ الكتيبة ردّ نصف النهار، أى: الرد الذى يمتد وقته بمقياس ما بين أول النهار إلى نصفه، وذلك نصف يوم. وليس يريد أنه يردها فى هذا الوقت ألبتة، وإنما يريد أنه يردها مقدار نصف النهار، كان ابتداء ذلك فى أول النهار أو غيره من نهار أو ليل، وكأنه قال: يرد الكتيبة ست ساعات، فهذا لا يخص نهارا من ليل، فبهذا يعلم أنه لا يريد: يردها فى وقت انتصاف النهار دون ما سواه من الأوقات.

وكذلك: «ونزل الملائكة» أى نزل نزول الملائكة. ولو سمى الفاعل على هذا التقدير لقيل: نزل النازل الملائكة، فنصب الملائكة انتصاب المصدر، كما نصب الجدار انتصاب المصدر؛ لأن كل مضاف إليه يحذف من قبله ما كان مضافا إليه فإنه يعرب إعرابه، لا زيادة عليه ولا نقص منه.

فإن قيل: فما معنى نزل نزول الملائكة حتى يصح لك تقديره مثبتا ثم تحذفه؟ فإنه على قولك: هذا نزول منزول، وهذا صعود مصعود، وهذا ضرب مضروب. وقريب منه قولهم: قد قيل فيه قول، وقد خيف منه خوف. فاعرف ذلك؛ فإنه أمثل ما يحتج به لقراءة من قرأ: «ونزل الملائكة»، بتخفيف الزاى، فاعرفه.

***


(١) انظر: (ديوانه ٢٤).
(٢) نسبه فى النوادر (١٥٥) لسبرة بن عمرو الفقعسى، وذكره فى الخصائص ٣٢٥/ ٣ دون نسبة ٣٢٥/ ٣.
(٣) وقد روى فى النوادر: «وطعنة مستبسل حاسر».
(٤) وفى الخصائص: «ترد الكتيبة نصف النهار».

<<  <  ج: ص:  >  >>