للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال فى الاحتجاج لقراءة: «تماما على الذى أحسن»: وقد كان شيخنا أبو على عمل كتاب الحجة فى قراءة السبعة، فأغمضه وأطاله حتى منع كثيرا ممن يدعى العربية فضلا عن القرأة وأجفاهم عنه.

فلم يشأ أن يكون فى المحتسب كما كان شيخه من قبله فى الحجة، لهذا لا تراه يكثر مثله من الشواهد، ولا يمعن إمعانه فى الاستطراد، ولا يغمض إغماضه فى الاحتجاج. وهو يذكر هذا وينبه عليه فى مواطن شتى من الكتاب.

فيقول فى الاحتجاج لقراءة: «لا تنفع نفسا إيمانها»: «والشواهد على ذلك كثيرة، لكن الطريق التى نحن عليها مختصرة قليلة قصيرة».

ويقول فى الاحتجاج لقراءة: «فأكثرت جدلنا»: «ولولا أن القراء لا ينبسطون فى هذه الطريق لنبهت على كثير منه، بل إذا كان منتحلو هذا العلم والمترسمون به قلما تطوع طباعهم لهذا الضرب منه. . . فما ظنك بالقراء لو جشموا النظر فيه والتقرى لعزوره ومطاويه؟».

ولعزوف ابن جنى عن الإسهاب والإمعان فى الاستطراد فى مقدمة المحتسب يفضل كتاب أبى حاتم السجستانى فى الشواذ على كتاب قطرب «من حيث كان كتاب أبى حاتم مقصورا على ذكر القراءات، عاريا من الإسهاب فى التعليل والاستشهادات التى انحط قطرب فيها وتناهى إلى متباعد غاياتها».

على أن أبا الفتح عثمان بن جنى لم يلتزم الاقتصاد فى الاستشهاد فى كل مقام، ولا سيما حين تكون القراءة غريبة، يدعو ظاهرها إلى التنكر لها والتعجب منها.

فقد استشهد فى قراءة: «اهدنا صراطا مستقيما» بعشرة شواهد، بعضها من شعر المولدين.

واحتج لقراءة: «ولا أدرأتكم به» فأطال الاحتجاج ما شاء الله أن يطيل، ثم ختمه بقوله:

وهذا وإن طالت الصنعة فيه أمثل من أن تعطى اليد بفساده.

وعبارة المحتسب مرسلة متدفقة، فيها طلاوة بادية، وعليها مسحة ملازمة من عذوبة الفن وأناقته، مبسوطة فى غير حشو ولا فضول، يشيع فيها الازدواج، ويطول الفصل، جزلة الألفاظ، لا تخلو أحيانا من بعض الغريب الذى يحتاج فى الكشف عن معناه الذى يقتضيه المقام إلى فضل تأول وإمعان.

أما شواهد المحتسب فكثيرة، لكن يشيع فيها التكرار، لتكرر مقتضيات الاستشهاد بها، وجملتها من الشعر، وفيها قليل من حديث الرسول وكلام البلغاء والأمثال السائرة. وطريقته فى إيراداها لا تخالف طريقة العلماء الآخرين، فهو ينسب بعضها ولا ينسب بعضها الآخر، ويرويها فى أكثر الأمر أبياتا كاملة، وفى أقله أجزاء الأبيات يبلغ أحدها شطر البيت وقد يقل عنه أو يزيد عليه. وربما روى الشاهد مع بعض صلته، فإذا هو معها بضعة أبيات.

وأكثر شواهده مما يتردد فى كتب اللغة وعلومها، وبينها طائفة من أشعار المولدين، يأتى

<<  <  ج: ص:  >  >>