للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهذا مع ما فيه من المبالغة حلو وواصل إلى الفكر. وعلى هذا حمل أبو بكر قولهم: توضأت وضوءا: أنه وصف لمصدر محذوف، أى: وضوءا وضوءا، كقولك: وضوءا وضيئا، أى: كلامك حسنا.

وحكى أبو زيد: رجل ساكوت بيّن الساكوتة، فلما قرأت هذا الموضع على أبى علىّ حمله على قياس قول أبى بكر هذا، فقال: تقديره بين السكتة السّاكوتة، فجعل السّاكوتة صفة لمصدر محذوف، وحسّن ذلك عندى شيئا أنه من لفظه، فكأن أحدهما صاحبه ألبتة.

وحكى الأصمعى: ليس عليك فى ذلك تضرّة ولا ضارورة، فضارورة-على قياس قول أبى بكر-كالسّاكوتة، أى: ضرّة ضارورة.

***

{لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} (٣٦)

ومن ذلك قراءة الحسن: «لا يقضى عليهم فيموتون» (١)، وكذلك الثقفى.

قال أبو الفتح: «يموتون» عطف على «يقضى»، أى: لا يقضى عليهم، ولا يموتون.

والمفعول محذوف، أى: لا يقضى عليهم الموت. وحسن حذفه هنا؛ لأنه لو قيل: لا يقضى عليهم الموت فيموتون-كان تكريرا يغنى من جميعه بعضه، ولا توكيد أيضا فيه فيحتمل لفظه. وعلى كل حال فقد بيّنا فى كتابنا هذا وفى غيره-حسن حذف المفعول لدلالة الكلام عليه، وأنه لا يصدر إلاّ عن فصاحة عذبة.

وقراءة العامة فى هذا أوضح وأشرح؛ وذلك أن فيها نفى سبب الموت، وهو القضاء عليهم. وإذا حذف السبب فالمسبب أشد انتفاء، ومن هذا قولهم: لم يقم زيد أمس، فنفى الماضى بلفظ المستقبل؛ وذلك أن المستقبل أسبق رتبة فى النفس من الماضى، فإذا نفى الأصل كان الفرع أشد انتفاء، ونظائره كثيرة، فتأمله.

***

{الْمَكْرُ السَّيِّئُ} (٤٣)

ومن ذلك قراءة ابن مسعود: «ومكرا سيئا» (٢).


(١) انظر: (القرطبى ٣٥٢/ ١٤، الكشاف ٣١٠/ ٣، النحاس ٧٠٠/ ٢، البحر المحيط ٣١٦/ ٧).
(٢) انظر: (الفراء ٣٧١/ ٢، القرطبى ٣٥٩/ ١٤، الكشاف ٣١٢/ ٣، البحر المحيط ٣٢١/ ٧، التبيان ٤٠١/ ٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>