للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ياء بعدها وقرأ: «أين» (١) بهمزة بعدها ياء ساكنة، والنون مفتوحة «ذكرتم» (٢)، مضمومة الذال، خفيفة الكاف-الأعمش وأبو جعفر يزيد.

قال أبو الفتح: أما «أن ذكّرتم» فمنصوبة الموضع بقوله سبحانه: {طائِرُكُمْ مَعَكُمْ؛} وذلك أنهم لما قالوا لهم: {إِنّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ،} أى: تشاءمنا-قالوا لهم جوابا عن ذلك: بل {طائِرُكُمْ مَعَكُمْ،} أى: بل شؤمكم معكم «أن ذكّرتم»، أى: هو معكم لأن ذكّرتم، فلم تذكروا، ولم تنتهوا. فاكتفى بالسبب الذى هو التذكير من المسبب الذى هو الانتهاء، على ما قدمناه من إقامتهم كل واحد من المسبب والسبب مقام صاحبه. ووضعوا الطائر أيضا موضع مسبّبه وهو التّشؤم، لما كانوا يألفونه من تكارههم نعيق الغراب أو بروحه ونحو ذلك. ومن رأى أنّ «أن» قد حذف الجارّ عن لفظها وإرادته فيها مجرورة-رأى ذلك هنا فيها، وهو الخليل.

وأما «أين ذكرتم» فمعناه أين حللتم، وكنتم، ووجدتم؛ فذكرتم. فاكتفى بالمسبب الذى هو الذكر من السبب الذى هو الوجود، و «أين» هنا شرط وجوابها محذوف لدلالة {طائِرُكُمْ مَعَكُمْ} عليه، فكأنه قال: أين ذكرتم، أو أين وجدتم وجد شؤمكم معكم. وهذا كقولك: سيفك معك أين حللت، وجودك معك متى سئلت كنت جوادا، وكقولك: أنت ظالم إن فعلت، أى: إن فعلت ظلمت، ولا يجوز الوقوف فى هاتين القراءتين على «معكم» لاتصال «أن» و «أين» بها، لكن على قراءة من قرأ بالاستفهام: {أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ؟} لأن الاستفهام يقطع ما قبله عما بعده؛ لأن له صدر الكلام، فكأنه قال: بل طائركم معكم ردّا عليهم، ثم استأنف مستفهما، وهو يريد الإنكار.

***

{إِنْ كانَتْ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً} (٢٩)

ومن ذلك قراءة أبى جعفر ومعاذ بن الحارث: «إن كانت إلاّ صيحة واحدة» (٣).

&


(١) وقراءة عيسى بن عمر، والحسن البصرى، وقتادة، وعيسى الهمذانى، وأبى رزين. انظر: (الطبرى ١٠٢/ ٢٢، القرطبى ١٧/ ١٥، النحاس ٧١٤/ ٢، العكبرى ١٠٩/ ٢، البحر المحيط ٣٢٧/ ٧).
(٢) هى قراءة نافع، والمطوعى، وابن محيصن، والحسن، وخالد بن إلياس، وطلحة، وقتادة، وأبى حيوة، وزائدة، والأصمعى. انظر: (الفراء ٣٧٤/ ٢، الإتحاف ٣٦٤، التبيان ٤١٣/ ٨، مجمع البيان ٤١٨/ ٨، القرطبى ١٧/ ١٥، البحر المحيط ٣٢٨/ ٧، العكبرى ١٠٩/ ٢، النحاس ٧١٥/ ٢).
(٣) وقراءة شيبة، والأعرج. انظر: (الفراء ٣٧٥/ ٢، الطبرى ٢٣/ ٣، القرطبى ٢١/ ١٥، النحاس ٧١٧/ ٢، الإتحاف ٣٦٤، الكشاف ٣٢٠/ ٣، مجمع البيان ٤٢٠/ ٨، النشر ٣٥٢/ ٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>