للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ألا أيها النّوّام ويحكم هبّوا … أسائلكم: هل يقتل الرّجل الحبّ (١)

فأما «هبّنى»، أى: أيقظنى فلم أردها فى اللغة أصلا، ولعلها لغة قليلة، ولا مرّ بنا مهبوب، بمعنى موقظ. وهى-مع حسن الظن بأبىّ-مقبولة. وقد أثبتها أبو حاتم أيضا، اللهم إلا أن يكون حرف الجر معها محذوفا، أى: هبّ بنا، بمعنى أيقظنا، ثم حذف حرف الجر، فوصل الفعل بنفسه. وليس المعنى على من هبّ فهببنا معه كقولك: انتبه وأنبهنا معه، وإنما معناه من أيقظنا. ألا ترى إلى من قول الله «سبحانه»: {ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ} (٢) ليس معناه تعالى أنه ذهب وذهب بنورهم معه؟ هذا مدفوع عن الله تعالى، وإنما معناه أذهب نورهم، فذهب به كأذهبه، أى أزاله وأنفده، فاعرف ذلك.

***

{وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (٥٧) سَلامٌ قَوْلاً} (٥٨)

ومن ذلك قراءة محمد بن كعب القرظىّ: «ولهم ما يدّعون سلم قولا».

وقرأ عيسى الثقفى: «سلاما قولا»، نصبا جميعا (٣).

قال أبو الفتح: أما الرفع فعلى أوجه:

أحدها: أن يكون مقطوعا مستأنفا، كأنه لما قال: «ولهم ما يدّعون» قال: «سلم»، أى: ذاك «سلم»، أى: ثابت لا نزاع فيه ولا ضيم ولا اعتراض، بل هو سلم لهم.

ووجه ثان: أن يكون على: ما يدعون سلم لهم، أى: مسلّم لهم، ف‍ «لهم» على هذا متعلق بنفس «سلم»، وليس بمصدر، بل هو بمعنى اسم الفاعل أو المفعول، إما على مسالم لهم، أو على مسلّم لهم. ولم يجز بمعنى المصدر؛ لأنه كان يكون فى صلته، ومحال تقدم الصلة أو شئ منها على الموصول.

ووجه ثالث: وهو أن يكون: «لهم» خبرا عن: «ما يدّعون» و «سلم» بدل منه.

ووجه رابع: وهو أن يكون «لهم» خبرا عن: «ما يدّعون» و «سلم» خبر آخر، كقولنا: زيد جالس متحدث، كما جاز أن يكون بدلا من «لهم» فكذلك يجوز أن يكون خبرا معه آخر.


(١) سورة البقرة الآية (١٧).
(٢) انظر: (القرطبى ٤٦/ ١٥، الكشاف ٣٢٧/ ٣، البحر المحيط ٣٤٣/ ٧).
(٣) وقراءة أبى عبد الله بن مسعود، والقنوى، وابن أبى إسحاق. انظر: (الفراء ٣٨٠/ ٢، الأخفش ٤٧٠/ ٢، البحر المحيط ٣٤٣/ ٧، القرطبى ٤٥/ ١٥، الكشاف ٣٢٧/ ٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>