للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ألا تراه مقرونا بقوله: «والأبصار»، أى البصر بما يحظى عند الله؟ وعلى ذلك ف‍ «الأيدى» هنا إنما هى جمع اليد التى هى القوة، لا التى هى الجارحة ولا النعمة، لكنه كقولك: له يد فى الطاعة، وقدم فى المتابعة. فالمعنيان إذا واحد، وهو البصيرة والنهضة فى طاعة الله، فهو إذا من قول لبيد (١):

حتّى إذا ألقت يدا فى كافر … وأجنّ عورات الثّغور ظلامها (٢)

ألا تراهم قالوا فى تفسيره: بدأت فى المغيب؟ وأصله لثعلبة بن صعير المازنىّ فى قوله يصف الظليم والنعامة وقد جدّا فى طلب بيضهما:

فتذكّرا ثقلا رثيدا بعدما … ألقت ذكاء يمينها فى كافر (٣)

يعنى بكافر الليل، وهذا أبلغ معنى من قول لبيد. ألا تراه ذكر اليمين خصوصية، وهى أشبه بالقوة؛ لأنها أقوى من الشّمال؟ ولبيد اقتصر على ذكر اليد، فقد تكون شمالا كما قد تكون يمينا. ومثله قول الشّماخ:

تلقّاها عرابة باليمين (٤)

أى: بالقوة. وإنما سميت القوة يمينا تشبيها لها بالجارحة اليمنى، وإذا شبه العرض الجوهر فذلك تناه به، وإعلاء منه. ولهذا ما ذمّ الطائى الكبير قلب ذلك، فقال:

مودّة ذهب أثمارها شبه … وهمّة جوهر معروفها عرض (٥)

ووصف بالجوهر لقوته، كما وصف الآخر بالحديد لقوته، فقال فى أحد التأويلين:

بمنجرد قيد الأوابد هيكل (٦)


(١) من معلقته المشهورة التى مطلعها: عفت الديار محلها فمقامها بمنى تأبد غولها فرجامها انظر: (ديوانه ١٦٣ وما بعدها).
(٢) انظر: (ديوانه ١٧٦). وألقت: يعنى الشمس، ألقت يدا فى كافر: بدأت فى المغيب. الكافر: الليل لأنه يغطى ما حوله. أجن: ستر عورات الثغور: المواضع التى تأتى المخافة منها.
(٣) انظر: لسان العرب «كفر».
(٤) انظر: (الخصائص ٢٥١/ ٣).
(٥) غير موجود فى ديوان أبى تمام.
(٦) من معلقة امرئ القيس، وصدره: «وقد أغتدى والطير فى وكناتها». انظر: (ديوانه ٥١). والمنجرد: الماضى فى السير، وقيل: بل هو القليل الشعر. الأوابد: الوحوش، وقد أبد الوحش يأبد أبودا، ومنه تأبد الموضع إذا توحش وخلا من القطان، ومنه قيل: للفذ أبدة لتوحشه عن الطباع. الهيكل، قال ابن دريد: هو الفرس العظيم الجرم، والجمع الهياكل.

<<  <  ج: ص:  >  >>