وعليه أيضا قال: هيكل، فوصف بالاسم غير المماسّ للفعل؛ لما فى الهيكل من العلوّ والرحابة والشدة، فاعرف ذلك مذهبا للقوم، وانتحه تصب بإذن الله.
***
{إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاّ أَنَّما}(٧٠)
ومن ذلك قراءة أبى جعفر:«إن يوحى إلىّ إلاّ إنّما»(١)، بكسر الألف.
قال أبو الفتح: هذا على الحكاية، حتى كأنه قال: إن يوحى، أى: إن يقال لى: إلا أنت نذير مبين.
فإن قيل: فإذا كان حكاية فقد كان يجب أن يردّ اللفظ عينه، وهو لم يقل له: أنا نذير مبين، فهلا أعاده البتة، فقال: إن يوحى إلىّ إلا أنت نذير مبين؟.
قيل: هذا أراد، إلا أنه إذا قال: إلا أنما أنا نذير مبين فكأنه قد قال: أنت نذير مبين، ألا تراك تقول لصاحبك: أنت قلت: إنك شجاع، فزدت الحرف، وهو لم يقل: إنك شجاع، وإنما قال: أنا شجاع. فلما أردت قوله حاكيا له أوقعت موقع «أنا» إنك.
وعلة تحريف هذا الحرف الواحد من الجملة المحكية أنك مخاطب له، فغلب لفظ الخطاب الحاضر اللفظ-المنقضى لقوة الحاضر على الغائب. هذا أيضا مع ارتفاع الشبهة والإشكال فى أن الغرض بهما جميعا شئ واحد. ونحو من هذا فى بعض الانحراف عن المحكى للدلالة عليه قول الشاعر:
تنادوا بالرّحيل غدا … وفى ترحالهم نفسى
أجاز لى فيه أبو على بحلب سنة سبع وأربعين ثلاثة أضرب من الإعراب: بالرّحيل، والرّحيل، والرّحيل: رفعا، ونصبا، وجرّا.
فمن رفع أو نصب فقدّر فى الحكاية اللفظ المقول البتة فكأنه قالوا: الرحيل غدا، والرحيل غدا.
فأما الجرّ فعلى إعمال الباء فيه، وهو معنى ما قالوه، لكن حكيت منه قولك: غدا وحده، وهو خبر المبتدأ وفى موضع رفع؛ لأنه خبر المبتدأ.
(١) انظر: (الإتحاف ٣٤٧، النشر ٢٦٣، تحبير التيسير ١٦٨، التبيان ٥٢٩/ ٨، القرطبى ٢٢٧/ ١٥، الكشاف ٣٨١/ ٣، مجمع البيان ٤٨٣/ ٨، البحر المحيط ٤٠٩/ ٧).