للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] «فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته» ولو كان المراد غير ما ذكرناه من التلاوة لم يصح ذلك.
أما ما يرويه الحشوية من أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم ذكر في قراءته أصنامهم، وقال: «إن الغرانيق العلى شفاعتهن ترتجى» حتى فرح الكفار فلا أصل له، ومثل ذلك لا يكون إلا من دسائس الملحدة» .
وحديث الغرانيق هذا متهافت من عدة وجوه وأحسن ما جاء في ردها ما كتبه الأستاذ الكبير:
محمد حسين هيكل في كتاب «حياة محمد» صلّى الله عليه وآله وسلّم ص (١٧٧- ١٨٢) وكنت أريد كتابة فحواها إلا اني رأيت ان اضيفها هنا لاهميتها:
هذه الحجج التي يسوقها من يقولون بصحة حديث الغرانيق، هي حجج واهية لا تقوم امام التمحيص، ونبدأ بدفع حجة المستشرق موير، فالمسلمون الذين عادوا من الحبشة إنما دفعهم الى العود الى مكة سببان: أولهما ان عمر بن الخطاب اسلم بعد هجرتهم بقليل. وقد دخل عمر في دين الله بالحميّة التي كان يحاربه من قبل بها، لم يخف إسلامه ولم يستتر، بل ذهب يعلنه على رؤوس الملأ ويقاتلهم في سبيله. ولم يرض عن استخفاء المسلمين وتسللهم إلى شعاب مكة يقيمون الصلاة بعيدين عن أذى قريش، بل دأب على نضال قريش حتى صلى عند الكعبة وصلى المسلمون معه. هنالك أيقنت قريش ان ما تنال به محمدا وأصحابه من الأذى يوشك ان يثير حربا اهلية لا يعرف احد مداها ولا على من تدور دائرتها. فقد اسلم من قبائل قريش وبيوتاتها رجال تثور لقتل أيّ واحد منهم قبيلته وإن كانت على غير دينه. فلا مفرّ إذا من الالتجاء في محاربة محمد إلى وسيلة لا يترتب عليها هذا الخطر. وإلى ان تتفق قريش على هذه الوسيلة. هادنت المسلمين فلم تنل أحدا منهم بأذى وهذا هو ما اتصل بالمهاجرين الى الحبشة، ودعاهم الى التفكير في العود إلى مكة.
وربما تردّدوا في هذا العود لو لم يكن السبب الثاني الذي ثبّت عزمهم، ذلك ان الحبشة شبّت بها يومئذ ثورة على النجاشي، كان دينه وكان ما أبدى من عطف على المسلمين بعض ما أذيع فيها من تهم وجهت اليه. ولقد أبدى المسلمون احسن الأماني ان ينصر الله النجاشي على خصومه، لكنهم لم يكونوا ليشاركوا في هذه الثورة وهم أجانب، ولم يك قد مضى على مقامهم بالحبشة غير زمن قليل. أما وقد ترامت إليهم أنباء الهدنة بين محمد وقريش، هدنة أنجت المسلمين مما كان يصيبهم من الأذى، فخير لهم أن يدعوا الفتنة وراء ظهورهم وان يلحقوا بأهليهم، وهذا ما فعلوه كلهم او بعضهم. على أنهم ما كادوا يبلغون مكة حتى كانت قريش قد ائتمرت ما تصنع بمحمد وأصحابه، واتّفقت عشائرها وكتبوا كتابا تعاقدوا فيه على مقاطعة بني هاشم مقاطعة تامة، فلا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعوهم ولا يبتاعوا منهم، وبهذا الكتاب عادت الحرب العوان