كان إذا جلس رسول الله مجلسا فدعا فيه إلى الله وتلا عليهم القرآن وحذّر قريشا ما أصاب الأمم الماضية خلفه في مجلسه إذا قام فحدّثهم عن ملوك الفرس، ثم يقول: والله ما محمد بأحسن حديثا منّي، وما أحاديثه إلا أساطير الأولين اكتتبها كما اكتتبتها فأنزل الله: وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أكاذيبهم، جمع أسطورة بالضم «اكتتبها» انتسخها من القوم بغيره «فهي تملى» تقرأ «عليه» ليحفظها «بكرة وأصيلا» غدوة وعشيا. قال تعالى ردا عليهم: «قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ» الغيب «فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً» للمؤمنين «رَحِيماً» بهم. قال ابن إسحاق: وجلس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوما فيما بلغني مع الوليد بن المغيرة في المسجد فجاء النضر ابن الحارث حتى جلس معهم وفي المجلس غير واحد من رجال قريش فتكلم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فعرض له النّضر فكلّمه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى أفحمه ثم تلا عليه وعليهم: «إِنَّكُمْ» يا أهل مكة «وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» أي غيره من الأوثان «حَصَبُ جَهَنَّمَ» وقودها «أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ» داخلون فيها «لَوْ كانَ هؤُلاءِ» الأوثان «آلِهَةً» كما زعمتم «ما وَرَدُوها» دخلوها «وَكُلٌّ» من العابدين والمعبودين «فِيها خالِدُونَ» لا خلاص لهم عنها «لَهُمْ» للعابدين «فِيها زَفِيرٌ» صياح «وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ» . ثم قام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأقبل عبد الله بن الزّبعري- بزاى فباء موحدة مكسورتين فعين مهملة ساكنة فراء فألف مقصورة- وأسلم بعد ذلك، حتى جلس إليهم فقال الوليد بن المغيرة لعبد الله بن الزبعري والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفا وما قعد وقد زعم محمد أنّا وما نعبد من- آلهتنا هذه حصب جهنم. فقال عبد الله: أما والله لو وجدته لخصمته فسلوا محمدا أكل ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده؟ فنحن نعبد الملائكة واليهود تعبد عزيرا والنصارى تعبد عيسى بن مريم. فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول عبد الله ورأوا أنه قد احتجّ وخاصم. فذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: كلّ من أحبّ أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده، إنهم إنما يعبدون الشياطين ومن أمرتهم بعبادته. فأنزل الله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا» المنزلة «الْحُسْنى» وهي السعادة أو التوفيق للطاعة أو البشرى بالجنة ومنهم من ذكر «أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ» لأنهم يرفعون إلى أعلى علّيين «لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها» صوتها: «وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ» من النعيم «خالِدُونَ» دائمون لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ» وهو أن يؤمر بالعبد إلى النار «وَتَتَلَقَّاهُمُ» تستقبلهم «الْمَلائِكَةُ» عند خروجهم من القبور يقولون لهم «هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» في الدنيا ومنهم أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط. قال ابن إسحاق: وكانا متصافيين حسنا ما بينهما.