للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَتَرَاهُ صَرَّحَ فِي كِتَابِ الْمَقَالَاتِ الْمَذْكُورِ، بِأَنَّ تَأْوِيلَ الِاسْتِوَاءِ بِالِاسْتِيلَاءِ، هُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ لَا قَوْلُهُ هُوَ، وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ.

وَزَادَ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ مَعَ الْمُعْتَزِلَةِ الْجَهْمِيَّةَ وَالْحَرُورِيَّةَ كَمَا قَدَّمْنَا.

وَبِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا تَعْلَمُ أَنَّ الْأَشْعَرِيَّ رَجَعَ عَنِ الِاعْتِزَالِ إِلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا.

وَقَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَ الْحَقِّ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ بِالْأَدِلَّةِ الْقُرْآنِيَّةِ بِكَثْرَةٍ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} .

وَاعْلَمْ أَنَّ أَئِمَّةَ الْقَائِلِينَ بِالتَّأْوِيلِ، رَجَعُوا قَبْلَ مَوْتِهِمْ عَنْهُ، لِأَنَّهُ مَذْهَبٌ غَيْرُ مَأْمُونِ الْعَاقِبَةِ، لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى ادِّعَاءِ أَنَّ ظَوَاهِرَ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثَهَا، لَا تَلِيقُ بِاللَّهِ لِظُهُورِهَا وَتَبَادُرِهَا فِي مُشَابَهَةِ صِفَاتِ الْخَلْقِ.

ثُمَّ نَفْيِ تِلْكَ الصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ، لِأَجْلِ تِلْكَ الدَّعْوَى الكاذبة المشؤومة، ثُمَّ تَأْوِيلِهَا

بِأَشْيَاءَ أُخَرَ، دُونَ مُسْتَنَدٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ قَوْلِ صَحَابِيٍّ أَوْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ.

وَكُلُّ مَذْهَبٍ هَذِهِ حَالُهُ، فَإِنَّهُ جَدِيرٌ بِالْعَاقِلِ الْمُفَكِّرِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ إِلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ.

وَقَدْ أَشَارَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ أَنَّ وَصْفَ اللَّهِ بِالِاسْتِوَاءِ صَادِرٌ عَنْ خَبِيرٍ بِاللَّهِ، وَبِصِفَاتِهِ عَالِمٌ بِمَا يَلِيقُ بِهِ، وَبِمَا لَا يَلِيقُ وَذَلِكَ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَانُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} .

فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} ، بَعْدَ قَوْلِهِ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَانُ} ، تَعْلَمُ أَنَّ مَنْ وَصَفَ الرَّحْمَنَ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ خَبِيرٌ بِالرَّحْمَنِ وَبِصِفَاتِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ اللَّائِقُ مِنَ الصِّفَاتِ وَغَيْرُ اللَّائِقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>