للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَآتَيْنَاهُ حَنَانًا مِنْ لَدُنَّا. وَالْحَنَانُ: هُوَ مَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَالْعَطْفِ وَالشَّفَقَةِ. وَإِطْلَاقُ الْحَنَانِ عَلَى الرَّحْمَةِ وَالْعَطْفِ مَشْهُورٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: حَنَانَكَ وَحَنَانَيْكَ يَا رَبِّ، بِمَعْنَى رَحْمَتَكَ. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

أَبِنْتَ الْحَارِثِ الْمَلِكِ بْنِ عَمْرٍو ... لَهُ مُلْكُ الْعِرَاقِ إِلَى عُمَانِ

وَيَمْنَحُهَا بَنُو شَمَجَى بْنِ جَرْمٍ ... مَعِيزَهُمُ حَنَانَكَ ذَا الْحَنَانِ

يَعْنِي رَحْمَتَكَ يَا رَحْمَنُ. وَقَوْلُ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ:

أَبَا مُنْذِرٍ أَفْنَيْتَ فَاسْتَبْقِ بَعْضَنَا ... حَنَانَيْكَ بَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ

وَقَوْلُ مُنْذِرِ بْنِ دِرْهَمٍ الْكَلْبِيِّ:

وَأَحْدَثُ عَهْدٍ مِنْ أَمِينَةَ نَظْرَةٌ ... عَلَى جَانِبِ الْعَلْيَاءِ إِذْ أَنَا وَاقِفُ

فَقَالَتْ حنان مَا أَتَى بك هَا هُنَا ... أَذُو نَسَبٍ أَمْ أَنْتَ بِالْحَيِّ عَارِفُ

فَقَوْلُهُ «حَنَانٌ» أَيْ أَمْرِي حَنَانٌ.

أَيْ رَحْمَةٌ لَكَ، وَعَطْفٌ وَشَفَقَةٌ عَلَيْكَ وَقَوْلُ الْحُطَيْئَةِ أَوْ غَيْرِهِ:

تَحَنَّنْ عَلَيَّ هَدَاكَ الْمَلِيكُ ... فَإِنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالَا

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنْ لَّدُنَّا} أَيْ مِنْ عِنْدِنَا، وَأَصَحُّ التَّفْسِيرَاتِ فِي قَوْلِهِ «وَزَكَاةً» أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ أَيْ أَوْ أَعْطَيْنَاهُ زَكَاةً، أَيْ طَهَارَةً مِنْ أَدْرَانِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي بِالطَّاعَةِ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ بِمَا يُرْضِيهِ: وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ «الْكَهْفِ» الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى إِطْلَاقِ الزَّكَاةِ فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى الطَّهَارَةِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ «وَزَكَاةً» الزَّكَاةُ: التَّطْهِيرُ وَالْبَرَكَةُ وَالتَّنْمِيَةُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ. أَيْ جَعَلْنَاهُ مُبَارَكًا لِلنَّاسِ يَهْدِيهِمْ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: زَكَّيْنَاهُ بِحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ كَمَا يُزَكِّي الشُّهُودُ إِنْسَانًا. وَقِيلَ «زَكَاةً» صَدَقَةً عَلَى أَبَوَيْهِ. قَالَهُ ابْنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>