للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُتَيْبَةَ. انْتَهَى كَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ. وَهُوَ خِلَافُ التَّحْقِيقِ فِي مَعْنَى الْآيَةِ. وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ هُوَ مَا ذَكَرْنَا، مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى: وَأَعْطَيْنَاهُ زَكَاةً أَيْ طَهَارَةً مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي بِتَوْفِيقِنَا إِيَّاهُ لِلْعَمَلِ بِمَا يُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنَ الْعُلَمَاءِ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّكَاةِ فِي الْآيَةِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، رَاجِعٌ إِلَى مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ هُوَ الَّذِي بِهِ الطَّهَارَةُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: {وَكَانَ تَقِيّا} أَيْ مُمْتَثِلًا لِأَوَامِرِ رَبِّهِ مُجْتَنِبًا كُلَّ مَا نَهَى عَنْهُ؛ وَلِذَا لَمْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً قَطُّ، وَلَمْ يُلِمَّ بِهَا، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ. وَفِي نَحْوِ ذَلِكَ أَحَادِيثُ مَرْفُوعَةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَرْفُوعًا، إِمَّا بِانْقِطَاعٍ، وَإِمَّا بِعَنْعَنَةِ مُدَلِّسٍ: وَإِمَّا بِضَعْفِ وَاوٍ، كَمَا أَشَارَ لَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَغَيْرُهُ. وَقَدْ قَدَّمْنَا مَعْنَى «التَّقْوَى» مِرَارًا وَأَصْلُ مَادَّتِهَا فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَبَرّا بِوالِدَيْهِ} الْبَرُّ بِالْفَتْحِ هُوَ فَاعِلُ الْبِرِّ بِالْكَسْرِ كَثِيرًا أَيْ وَجَعَلْنَاهُ كَثِيرَ الْبِرِّ بِوَالِدَيْهِ، أَيْ مُحْسِنًا إِلَيْهِمَا، لَطِيفًا بِهِمَا، لَيِّنَ الْجَانِبِ لَهُمَا. وَقَوْلُهُ «وَبَرًّا» مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ «تَقِيًّا» ، وَقَوْلُهُ «وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا» أَيْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَكْبِرًا عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ وَطَاعَةِ وَالِدَيْهِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُطِيعًا لِلَّهِ، مُتَوَاضِعًا لِوَالِدَيْهِ، قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَالْجَبَّارُ: هُوَ كَثِيرُ الْجَبْرِ، أَيِ الْقَهْرِ لِلنَّاسِ، وَالظُّلْمِ لَهُمْ، وَكُلُّ مُتَكَبِّرٍ عَلَى النَّاسِ يَظْلِمُهُمْ: فَهُوَ جَبَّارٌ، وَقَدْ أُطْلِقَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى شَدِيدِ الْبَطْشِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} وَعَلَى مَنْ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ الْقَتْلُ فِي قَوْلِهِ: {أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِى الأَرْضِ} . وَالظَّاهِر أَن قَوْله: «عصياً» فعول قبلت فِيهِ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ فِي الْيَاءِ عَلَى الْقَاعِدَةِ التَّصْرِيفِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ: الَّتِي عَقَدَهَا ابْنُ مَالِكِ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:

إِنْ يَسْكُنِ السَّابِقُ مِنْ وَاوٍ وَيَا ... وَاتَّصَلَا وَمِنْ عُرُوضٍ عَرِيَا

<<  <  ج: ص:  >  >>