السُّقُوطِ، بَلِ النَّفْخُ الْوَاقِعُ فِي جَيْبِ الدِّرْعِ وَصَلَ إِلَى الْفَرْجِ الْمَعْرُوفِ فَوَقَعَ الْحَمْلُ.
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي خَافَتْ مِنْهُ وَهُوَ قَذْفُهُمْ لَهَا بِالْفَاحِشَةِ قَدْ وَقَعَتْ فِيهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ بَرَّأَهَا، وَذَلِكَ كَقَوْلِه عَنْهُم: {قَالُواْ يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} يَعْنُونَ الْفَاحِشَةَ، وَقَوْلِهِ عَنْهُمْ، {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} يَعْنُونَ فَكَيْفَ فَجَرْتِ أَنْتِ وَجِئْتِ بِهَذَا الْوَلَدِ؟ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً} .
وَقَوْلُهُ: {مَكَاناً قَصِيّاً} الْقَصِيُّ، الْبَعِيدُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
لَتَقْعُدِنَّ مَقْعَدَ الْقَصِيِّ ... مِنِّيَ ذِي الْقَاذُورَةِ الْمَقْلِيِّ
أَوْ تَحْلِفِي بِرَبِّكِ الْعَلِيِّ ... أَنِّي أَبُو ذَيَّالِكَ الصَّبِيِّ
وَهَذَا الْمَكَانُ الْقَصِيُّ قَدْ وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِقَوْلِهِ: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً
وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} . وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: {فَانْتَبَذَتْ بِهِ} أَيْ انْتَبَذَتْ وَهُوَ فِي بَطْنِهَا. وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ هَذَا إِلَى الْحَمْلِ وَالْمَخَاضِ الَّذِي أَصَابَهَا لِلْوَضْعِ.
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَنْهَا: {وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً} النِّسْيُ والنِّسي بِالْكَسْرِ وَبِالْفَتْحِ: هُوَ مَا مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُطْرَحَ وَيُنْسَى لِحَقَارَتِهِ، كَخِرَقِ الْحَيْضِ، وَكَالْوَتَدِ وَالْعَصَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ إِذَا ارْتَحَلُوا عَنِ الدَّارِ قَوْلُهُمْ: انْظُرُوا أَنَسَاءَكُمْ جَمْعُ نَسْيٍ؟ أَيِ الْأَشْيَاءُ الْحَقِيرَةُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُتْرَكَ وَتُنْسَى كَالْعَصَا وَالْوَتَدِ. وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَقَوْلُهَا «وَكُنْتُ نَسْيًا» أَيْ شَيْئًا تَافِهًا حَقِيرًا مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُتْرَكَ وَيُنْسَى عَادَةً. وَقَوْلُهَا «مَنْسِيًّا» تَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ التَّافِهَ الَّذِي مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يُتْرَكَ وَيُنْسَى قَدْ نُسِيَ وَطُرِحَ بِالْفِعْلِ فَوُجِدَ فِيهِ النِّسْيَانُ الَّذِي هُوَ حَقُّهُ. وَأَقْوَالُ الْمُفَسِّرِينَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute