للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآيَةِ رَاجِعَةٌ إِلَى مَا ذَكَرْنَا، وَمِنْ إِطْلَاقِ النَّسْيِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَوْلُ الْكُمَيْتِ:

أَتَجْعَلُنَا جِسْرًا لِكَلْبِ قُضَاعَةَ ... وَلَسْتُ بِنَسْيٍ فِي مُعَدٍّ وَلَا دَخَلْ

فَقَوْلُهُ «بِنَسْيٍ» أَيْ شَيْءٌ تَافِهٌ مَنْسِيٌّ، وَقَوْلُ الشَّنْفَرَى:

كَأَنَّ لَهَا فِي الْأَرْضِ نَسْيًا تَقُصُّهُ ... عَلَى أَمِّهَا وَإِنْ تُحَدِّثْكَ تَبْلَتِ

فَقَوْلُهُ «نَسْيًا» أَيْ شَيْءٌ تَرَكَتْهُ وَنَسِيَتْهُ. وَقَوْلُهُ «تَبْلَتِ» بِفَتْحِ التَّاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ بَعْدَهَا تَاءُ التَّأْنِيثِ أَيْ تَقْطَعُ كَلَامَهَا من الْحيَاء. والبلت فِي اللُّغَة: الْقطع ...

وَأَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي حَمَلَتْ فِيهَا مَرْيَمُ بِعِيسَى قَبْلَ الْوَضْعِ لَمْ نَذْكُرْهَا، لِعَدَمِ دَلِيلٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا. وَأَظْهَرُهَا: أَنَّهُ حَمْلٌ كَعَادَةِ حَمْلِ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ مَنْشَؤُهُ خَارِقًا لِلْعَادَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِى قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} . اعْلَمْ أَوَّلًا: أَنَّ فِي هَذَا الْحَرْفِ قِرَاءَتَيْنِ سَبْعِيَّتَيْنِ: قَرَأَهُ نَافِعٌ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ} بِكَسْرِ الْمِيمِ عَلَى أَنَّ «مِنْ» حَرْفُ جَرٍّ، وَخَفْضِ تَاءِ تَحْتِهَا، لِأَنَّ الظَّرْفَ مَجْرُورٌ بِـ «مَنْ» عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ مَوْصُولٌ هُوَ فَاعِلُ نَادَى، أَن نَادَاهَا الَّذِي تَحْتَهَا. وَفَتْحِ «تَحْتَهَا» فَعَلَى الْقِرَاءَةِ فَفَاعِلُ النِّدَاءِ ضَمِيرٌ مَحْذُوفٌ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ فَالْفَاعِلُ الِاسْمُ الْمَوْصُولُ الَّذِي هُوَ «مَنْ» .

وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مُخْتَلِفُونَ فِي هَذَا الْمُنَادِي الَّذِي نَادَاهَا الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالضَّمِيرِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالِاسْمِ الْمَوْصُولِ مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هُوَ عِيسَى. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هُوَ جِبْرِيلُ. وَمِمَّنْ قَالَ: إِنَّ الَّذِي نَادَى مَرْيَمَ هُوَ جِبْرِيلُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيُّ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ. وَأَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ قَالُوا: لَمْ يَتَكَلَّمْ عِيسَى حَتَّى أَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>