للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ مُنَاوَلَةُ آلَةِ الْقَتْلِ أَقْبَحُ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ، وَالنَّظَرُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ مُحَرَّمٌ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَى الزِّنَا، وَالْخَلْوَةُ بِهَا أَقْبَحُ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا، وَعِنَاقُهَا فِي الْخَلْوَةِ أَقْبَحُ مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا، وَالْجُلُوسُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا بِغَيْرِ حَائِلٍ أَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، لِقُوَّةِ أَدَائِهِ إلَى الْمَفْسَدَةِ الْمَقْصُودَةِ بِالتَّحْرِيمِ.

وَهَكَذَا تَخْتَلِفُ رُتَبُ الْوَسَائِلِ بِاخْتِلَافِ قُوَّةِ أَدَائِهَا إلَى الْمَفَاسِدِ، فَإِنَّ الشَّهْوَةَ تَشْتَدُّ بِالْعِنَاقِ بِحَيْثُ لَا تُطَاقُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ النَّظَرُ، وَالتَّفْسِيرُ أَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ لِقُوَّةِ أَدَائِهِ إلَى الزِّنَا، وَكُلَّمَا قَوِيَتْ الْوَسِيلَةُ فِي الْأَدَاءِ إلَى الْمَفْسَدَةِ كَانَ إثْمُهَا أَعْظَمَ مِنْ إثْمِ مَا نَقَصَ عَنْهَا، وَالْبَيْعُ الشَّاغِلُ عَنْ الْجُمُعَةِ حَرَامٌ لَا لِأَنَّهُ بَيْعٌ، بَلْ لِكَوْنِهِ شَاغِلًا عَنْ الْجُمُعَةِ، فَإِنْ رُتِّبَتْ مَصْلَحَةُ التَّصَرُّفِ وَالطَّاعَاتِ عَلَى مَصْلَحَةِ الْجُمُعَةِ، قُدِّمَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ عَلَى الْجُمُعَةِ. لِفَضْلِ مَصْلَحَتِهِ عَلَى مَصْلَحَةِ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ، فَيُقَدَّمُ إنْقَاذُ الْغَرِيقِ، وَإِطْفَاءُ الْحَرِيقِ، عَلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ.

وَكَذَلِكَ يُقَدَّمُ الدَّفْعُ عَنْ النُّفُوسِ وَالْأَبْضَاعِ عَلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ بَيْنَ هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ، بِخِلَافِ الْأَعْذَارِ الْخَفِيفَةِ الْمُسْقِطَةِ لِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا تَخْيِيرٌ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ.

وَلَوْ تَصَرَّفَ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَهُوَ ذَاهِبٌ إلَى الْجُمُعَةِ تَصَرُّفًا لَا يَشْغَلُهُ عَنْ الْجُمُعَةِ لَمْ يُحَرَّمْ ذَلِكَ، لِخُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ، وَكَذَا النَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَسِيلَةٌ إلَى دَفْعِ مَفْسَدَةِ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَرُتْبَتُهُ فِي الْفَضْلِ وَالثَّوَابِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى رُتْبَةِ دَرْءِ مَفْسَدَةِ الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي بَابِ الْمَفَاسِدِ، ثُمَّ تَتَرَتَّبُ رُتَبُهُ عَلَى رُتَبِ الْمَفَاسِدِ إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ إلَى أَصْغَرِ الصَّغَائِرِ، فَالنَّهْيُ عَنْ الْكُفْرِ بِاَللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ نَهْيٍ فِي بَابِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ. فَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ دَرْءِ أَعْظَمِ الْفِعْلَيْنِ مَفْسَدَةٌ وَدَرْءُ أَدْنَاهُمَا مَفْسَدَةُ جَمْعٍ بَيْنَهُمَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الْجَمْعِ بَيْنَ رِدْءِ الْمَفَاسِدِ، مِثْلَ أَنْ يَنْهَى عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>