مُنْكَرَيْنِ مُتَفَاوِتَيْنِ أَوْ مُتَسَاوِيَيْنِ فَمَا زَادَ، بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ. مِثَالُ الْمُتَفَاوِتَيْنِ أَنْ يَرَى إنْسَانًا يَقْتُلُ رَجُلًا وَآخَرَ يَسْلُبُ مَالَ إنْسَانٍ، فَيَقُولُ لَهُمَا كُفَّا عَمَّا تَصْنَعَانِ. وَمِثَالُ الْمُتَسَاوِيَيْنِ أَنْ يَرَى اثْنَيْنِ قَدْ اجْتَمَعَا عَلَى قَتْلِ إنْسَانٍ أَوْ سَلْبِ مَالِهِ فَيَقُولُ لَهُمَا كُفَّا عَنْ قَتْلِهِ أَوْ سَلْبِهِ.
وَكَذَلِكَ يَقُولُ لِلْجَمَاعَةِ كُفُّوا عَمَّا تَصْنَعُونَ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى دَفْعِ الْمُنْكَرَيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى دَفْعِ أَحَدِهِمَا دَفَعَ الْأَفْسَدَ فَالْأَفْسَدَ، وَالْأَرْذَلَ فَالْأَرْذَلَ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ بِيَدِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ، مِثْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ الْغَازِي مِنْ قَتْلِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِسَهْمٍ وَمِنْ قَتْلِ عَشْرَةٍ بِرَمْيَةٍ وَاحِدَةٍ تَنْفُذُ فِي جَمِيعِهِمْ، فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ رَمْيَ الْعَشَرَةِ عَلَى رَمْيِ الْوَاحِدِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ بَطَلًا عَظِيمَ النِّكَايَةِ فِي الْإِسْلَامِ، حَسَنَ التَّدْبِيرِ فِي الْحُرُوبِ: فَيَبْدَأُ بِرَمْيِهِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ بَقَائِهِ، لِأَنَّهَا أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ بَقَاءِ الْعَشَرَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَفْتَحَ فُوَّهَةَ نَهْرٍ عَلَى أَلْفٍ مِنْ الْكُفَّارِ لَا نَجَاةَ لَهُمْ مِنْهَا وَقَدَرَ عَلَى قَتْلِ مِائَةٍ بِشَيْءٍ مِنْ آلَاتِ الْقِتَالِ لَكَانَ فَتْحُ فُوَّهَةِ النَّهْرِ أَوْلَى مِنْ قَتْلِ الْمِائَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ عِظَمِ الْمَصْلَحَةِ، وَإِنْ كَانَ فَتْحُ الْفُوَّهَةِ أَخَفَّ مِنْ قَتْلِ الْمِائَةِ بِالسِّلَاحِ.
وَكَذَلِكَ تَتَفَاوَتُ كَرَاهَةُ الْمُنْكَرِ بِالْقُلُوبِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ إنْكَارِهِ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ بِتَفَاوُتِ رُتَبِهِ، فَتَكُونُ كَرَاهَةُ الْأَقْبَحِ أَعْظَمَ مِنْ كَرَاهَةِ مَا دُونَهُ.
فَإِنْ عَلِمَ الْآمِرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنْ الْمُنْكَرِ أَنَّ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ لَا يُجْدِيَانِ وَلَا يُفِيدَانِ شَيْئًا، أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، سَقَطَ الْوُجُوبُ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ وَيَبْقَى الِاسْتِحْبَابُ، وَالْوَسَائِلُ تَسْقُطُ بِسُقُوطِ الْمَقَاصِدِ، وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَفِيهِ الْأَنْصَابُ وَالْأَوْثَانُ وَلَمْ يَكُنْ يُنْكِرُ ذَلِكَ كُلَّمَا رَآهُ.
وَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ كُلَّمَا رَأَى الْمُشْرِكِينَ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ كَانَ السَّلَفُ لَا يُنْكِرُونَ عَلَى الْفَسَقَةِ وَالظَّلَمَةِ فُسُوقَهُمْ وَظُلْمَهُمْ وَفُجُورَهُمْ، كُلَّمَا رَأَوْهُمْ، مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّهُ لَا يُجْدِي إنْكَارُهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute