وَالْأَرَضِينَ وَأَقْصَاهُمْ لَكَانَ عَادِلًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَلَوْ أَثَابَهُمْ وَأَدْنَاهُمْ لَكَانَ مُنْعِمًا مُتَفَضِّلًا بِذَلِكَ كُلِّهِ.
النَّوْعُ الرَّابِعَ عَشَرَ: اعْتِقَادُ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ، وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْعِلْمِ فِي حَقِّ الْخَاصَّةِ، لِمَا فِي تَعَرُّفِ ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ الظَّاهِرَةِ لِلْعَامَّةِ، فَإِنَّ اللَّهَ كَلَّفَ الْخَاصَّةَ أَنْ يَعْرِفُوهُ بِالْأَزَلِيَّةِ وَالْأَبَدِيَّةِ وَالتَّفَرُّدِ بِالْإِلَهِيَّةِ وَأَنَّهُ حَيٌّ عَالِمٌ قَادِرٌ مُرِيدٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ مُتَكَلِّمٌ صَادِقٌ فِي أَخْبَارِهِ، وَكَلَّفَ الْعَامَّةَ أَنْ يَعْتَقِدُوا ذَلِكَ لِعُسْرِ وُقُوفِهِمْ عَلَى أَدِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ فَاجْتَزَى مِنْهُمْ بِاعْتِقَادِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ عَالِمًا بِعِلْمٍ قَادِرًا بِقُدْرَةٍ فَإِنَّهُ مِمَّا يَلْتَبِسُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ لِالْتِبَاسِهِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي قِدَمِ كَلَامِهِ وَفِي أَنَّ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ صِفَاتٌ مَعْنَوِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ أَوْ هِيَ مُتَأَوَّلَةٌ بِمَا يَرْجِعُ إلَى الصِّفَاتِ فَيُعَبِّرُ بِالْوَجْهِ عَنْ الذَّاتِ، وَبِالْيَدَيْنِ عَنْ الْقُدْرَةِ، وَبِالْعَيْنَيْنِ عَنْ الْعِلْمِ.
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ النَّاسُ أَهِيَ جِهَةٌ أَمْ لَا جِهَةَ لَهُ مِمَّا يَطُولُ النِّزَاعُ فِيهِ وَيَعْسُرُ الْوُقُوفُ عَلَى أَدِلَّتِهِ، وَقَدْ تَرَدَّدَ أَصْحَابُ الْأَشْعَرِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي الْقِدَمِ وَالْبَقَاءِ أَهُمَا مِنْ صِفَاتِ السَّلْبِ أَمْ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ؟ وَقَدْ كَثُرَتْ مَقَالَاتُ الْأَشْعَرِيِّ حَتَّى جَمَعَهَا ابْنُ فُورَكٍ فِي مُجَلَّدَيْنِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَصْوِيبٌ لِلْمُجْتَهِدِينَ فِيهِ بَلْ الْحَقُّ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَالْبَاقُونَ مُخْطِئُونَ خَطَأً مَعْفُوًّا عَنْهُ لِمَشَقَّةِ الْخُرُوجِ مِنْهُ وَالِانْفِكَاكِ عَنْهُ، وَلَا سِيَّمَا قَوْلُ مُعْتَقِدِ الْجِهَةِ فَإِنَّ اعْتِقَادَ مَوْجُودٍ لَيْسَ بِمُتَحَرِّكٍ وَلَا سَاكِنٍ وَلَا مُنْفَصِلٍ عَنْ الْعَالَمِ وَلَا مُتَّصِلٍ بِهِ، وَلَا دَاخِلٍ فِيهِ وَلَا خَارِجٍ عَنْهُ لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ أَحَدٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فِي الْعَادَةِ، وَلَا يَهْتَدِي إلَيْهِ أَحَدٌ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ عَلَى أَدِلَّةٍ صَعْبَةِ الْمُدْرَكِ عَسِرَةِ الْفَهْمِ فَلِأَجْلِ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا فِي حَقِّ الْعَادِي.
وَلِذَلِكَ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُلْزِمُ أَحَدًا مِمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى الْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ بَلْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute