يُقِرُّهُمْ عَلَى مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا انْفِكَاكَ لَهُمْ عَنْهُ، وَمَا زَالَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالْعُلَمَاءُ الْمُهْتَدُونَ يُقِرُّونَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ الْعَامَّةَ لَمْ يَقِفُوا عَلَى الْحَقِّ فِيهِ وَلَمْ يَهْتَدُوا إلَيْهِ، وَأَجْرُوا عَلَيْهِمْ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ مِنْ جَوَازِ الْمُنَاكَحَاتِ وَالتَّوَارُثِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ إذَا مَاتُوا وَتَغْسِيلِهِمْ وَتَكْفِينِهِمْ وَحَمْلِهِمْ وَدَفْنِهِمْ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَدْ سَامَحَهُمْ بِذَلِكَ وَعَفَا عَنْهُ لِعُسْرِ الِانْفِصَالِ مِنْهُ وَلَمَا أُجْرِيَتْ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِلَهَ يَحِلُّ فِي شَيْءٍ مِنْ أَجْسَادِ النَّاسِ أَوْ غَيْرِهِمْ فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا عَفَا عَنْ الْمُجَسَّمَةِ لِغَلَبَةِ التَّجَسُّمِ عَلَى النَّاسِ فَإِنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَ مَوْجُودًا فِي غَيْرِ جِهَةٍ بِخِلَافِ الْحُلُولِ فَإِنَّهُ لَا يَعُمُّ الِابْتِلَاءُ بِهِ وَلَا يَخْطِرُ عَلَى قَلْبِ عَاقِلٍ وَلَا يُعْفَى عَنْهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ النَّظَرَ عِنْدَ الْبُلُوغِ عَلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ فَإِنَّ مُعْظَمَ النَّاسِ مُهْمِلُونَ لِذَلِكَ غَيْرُ وَاقِفِينَ عَلَيْهِ وَلَا مُهْتَدِينَ إلَيْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُفَسِّقْهُمْ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ كَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ النَّظَرَ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ إلَّا أَنْ يَكُونُوا شَاكِّينَ فِيمَا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ فَيَلْزَمُهُمْ الْبَحْثُ عَنْهُ وَالنَّظَرُ فِيهِ إلَى أَنْ يَعْتَقِدُوهُ أَوْ يَعْرِفُوهُ، وَكَيْفَ نُكَفِّرُ الْعَامَّةَ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ مَعْنًى قَدِيمٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ مُتَّجَهٌ مَعَ الْقَضَاءِ بِكَوْنِهِ أَمْرًا وَنَهْيًا وَوَعْدًا وَوَعِيدًا وَخَبَرًا وَاسْتِخْبَارًا وَنِدَاءً وَمَسْمُوعًا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَوْتٍ وَأَنَّ اعْتِقَادَ مِثْلِ هَذَا لَصَعْبٌ جِدًّا عَلَى الْمُعْتَقِدِينَ الذَّاهِبِينَ إلَى أَنَّهُ مِنْ الْقَوَاطِعِ، الْمُكَفِّرِينَ لِجَاحِدِيهِ.
وَكَذَلِكَ كَيْفَ نُكَفِّرُ الْعَامِّيَّ بِجَهْلِهِ أَنَّ النُّبُوَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ النَّبِيِّ مُخْبِرًا عَنْ اللَّهِ فَلَا تَرْجِعُ النُّبُوَّةُ إلَى صِفَةٍ وُجُودِيَّةٍ بَلْ تَكُونُ عِبَارَةٌ عَنْ نِسْبَةِ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِهِ، وَالْقَوْلُ لَا يُوجِبُ صِفَةً ثُبُوتِيَّةً لِلْمَقُولِ لَهُ وَلَا لِلْمَقُولِ فِيهِ أَوْ عَنْ كَوْنِ النُّبُوَّاتِ عِبَارَةً عَنْ إخْبَارِهِ عَنْ اللَّهِ فَتَرْجِعُ إلَى صِفَةٍ ثُبُوتِيَّةٍ قَائِمَةٍ بِهِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ فَعِيلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ فَعِيلًا بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَقَدْ رَجَعَ الْأَشْعَرِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute