الْمَالِيَّةِ تُمَيَّزُ الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ عَنْ النَّافِلَةِ، وَالزَّكَاةُ عَنْ الْمَنْذُورَةِ وَالنَّافِلَةِ.
وَكَذَلِكَ يُمَيِّزُ صَوْمُ النَّذْرِ عَنْ صَوْمِ النَّفْلِ، وَصَوْمُ الْكَفَّارَةِ عَنْهُمَا، وَصَوْمُ رَمَضَانَ عَمَّا سِوَاهُ، وَيُمَيِّزُ الْحَجَّ عَنْ الْعُمْرَةِ تَمَيُّزًا لِبَعْضِ رَاتِبِ الْعِبَادَاتِ عَنْ بَعْضٍ.
وَلَا يَكْفِيهِ مُجَرَّدُ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ دُونَ تَعْيِينِ الرُّتْبَةِ، فَإِنْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ حُمِلَ عَلَى أَقَلِّهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ التَّقَرُّبَ بِمَا زَادَ عَلَى رُتْبَتِهَا، فَإِذَا نَوَى الرَّاتِبَةَ لَمْ يَكْفِهِ ذَلِكَ حَتَّى يُعَيِّنَهَا بِتَعَيُّنِ الصَّلَاةِ الَّتِي شُرِعَتْ لَهَا بِأَنْ يُضِيفَهَا إلَى الصَّلَاةِ التَّابِعَةِ لَهَا، وَإِذَا نَوَى الْعِيدَ أَوْ الْكُسُوفَ أَوْ الِاسْتِسْقَاءَ فَلَا بُدَّ مِنْ إضَافَتِهَا إلَى أَسْبَابِهَا لِتَمْيِيزِ رُتْبَتِهَا عَنْ رُتَبِ الرَّوَاتِبِ، وَإِنْ نَوَى الْفَرَائِضَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِهَا بِالْإِضَافَةِ إلَى أَوْقَاتِهَا وَأَسْبَابِهَا، وَلَيْسَتْ الْأَوْقَاتُ وَالْأَسْبَابُ قُرْبَةً وَلَا صِفَةً لِلْقُرْبَةِ وَإِنَّمَا تُذْكَرُ فِي النِّيَّةِ لِتَبْيِينِ الْمَرْتَبَةِ، وَإِنْ نَوَى الْكَفَّارَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبَهَا أَجْزَأَتْهُ لِأَنَّ رُتْبَتَهَا مُتَسَاوِيَةٌ لَا تَفَاوُتَ فِيهَا، إذْ الْعِتْقُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ مِثْلُ الْعِتْقِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ.
وَقَدْ خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ وَجَعَلَ إضَافَةَ الْكَفَّارَاتِ إلَى أَسْبَابِهَا كَإِضَافَةِ الصَّلَاةِ إلَى أَوْقَاتِهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَسَاوِي الرُّتَبِ، وَلَيْسَتْ الْأَوْقَاتُ وَالْأَسْبَابُ مِنْ الْعِبَادَاتِ حَتَّى يَجِبَ ذِكْرُهَا لَا سِيَّمَا أَسْبَابَ الْكَفَّارَاتِ فَإِنَّ مُعْظَمَهَا جِنَايَاتٌ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْأَسْبَابُ قُرْبَةً وَلَا دَالَّةً عَلَى تَفَاوُتِ رُتْبَةٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَصْدِهَا لِأَنَّ الْعِتْقَ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ قَدْ يُمَيَّزُ عَنْ الْعِتْقِ الْمَنْدُوبِ بِرُتْبَتِهِ، بِخِلَافِ رُتَبِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ، وَلِذَلِكَ شَرَعَ بَعْضَهَا مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي بَعْضٍ كَالْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ وَالتَّطْوِيلِ وَالتَّقْصِيرِ، وَلَوْ تَسَاوَتْ مَقَاصِدُ الصَّلَاةِ تَسَاوَتْ مَقَاصِدُ الْعِتْقِ لِمَا اخْتَلَفَتْ أَحْكَامُ الصَّلَاةِ وَأَوْصَافُهَا، وَعِنْدِي وَقْفَةٌ فِي صَلَاتَيْ الْعِيدَيْنِ لِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُلْحَقَ بِالْكَفَّارَاتِ فَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِصَلَاةِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، بِخِلَافِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ فَإِنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ بِالْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ، فَإِنْ كَانَتْ الْعِبَادَةُ غَيْرَ مُلْتَبِسَةٍ بِالْعَادَةِ كَالْإِيمَانِ وَالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالتَّوَكُّلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute