وَالْحَيَاءِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْمَهَابَةِ، فَهَذِهِ مُتَعَلِّقَةٌ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قُرْبَةً فِي أَنْفُسِهَا مُتَمَيِّزَةً لِلَّهِ بِصُورَتِهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى قَصْدِ تَمْيِيزِهَا وَبِجَعْلِهَا قُرْبَةً مُتَمَيِّزَةً، فَلَا حَاجَةَ فِي هَذَا النَّوْعِ إلَى نِيَّةٍ تَصْرِفُهُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكَذَلِكَ التَّسْبِيحُ وَالتَّقْدِيسُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ وَالثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا لَا يُشَارَكُ فِيهِ وَالْأَذَانُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، إذْ لَا تَرَدُّدَ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعَادَةِ وَلَا بَيْنَ رُتَبِ الْعِبَادَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْلِيلِ بِأَنَّ النِّيَّةَ لَوْ افْتَقَرَتْ إلَى نِيَّةٍ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى التَّسَلْسُلِ لِأَنَّ انْصِرَافَهَا بِصُورَتِهَا إلَى الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُمَيِّزٌ لَهَا فَلَا تَحْتَاجُ إلَى مُمَيِّزٍ، وَلِأَنَّ النِّيَّةَ لَا رُتَبَ لَهَا فِي نَفْسِهَا، وَمِثْلُ هَذَا نَقُولُ فِي الْكَلَامِ إنْ كَانَ صَرِيحًا لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةٍ لِأَنَّهُ بِصَرَاحَتِهِ مُنْصَرِفٌ إلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ كِنَايَةً افْتَقَرَ إلَى نِيَّةٍ مُمَيِّزَةٍ لِتَرَدُّدِهِ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْمُعَامَلَاتِ إنْ امْتَازَ الْمَقْصُودُ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا يُمَيِّزُهُ، فَمَنْ اسْتَأْجَرَ عِمَامَةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ قَدُومًا أَوْ سَيْفًا أَوْ بِسَاطًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ مَنْفَعَةٍ لِأَنَّ صُورَتَهُ مُنْصَرِفَةٌ إلَى مَنْفَعَتِهِ مُمَيِّزَةٌ لَهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى مُمَيِّزٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مُرَدَّدَةً كَالدَّابَّةِ تُكْتَرَى لِلْعَمَلِ وَالرُّكُوبِ.
وَالْأَرْضِ تُكْتَرَى لِلزَّرْعِ وَالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِ الْمَنْفَعَةِ بِاللَّفْظِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ غَالِبٌ حُمِلَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ لِامْتِيَازِهِ بِغَلَبَتِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ لَا غَالِبَ فِيهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزٍ بِاللَّفْظِ، وَكَذَلِكَ الْحُقُوقُ الْمُتَعَيِّنَةُ لَا يَفْتَقِرُ أَدَاؤُهَا إلَى نِيَّةٍ بَلْ تَصِحُّ وَتُبْرَى مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِتَعَيُّنِهَا لِمُسْتَحِقِّهَا، وَإِنْ تَرَدَّدَتْ مِثْلُ أَنْ يَقْبِضَ الْمَدِينُ مَالًا لِرَبِّ الدَّيْنِ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَإِنَّهُ مُرَدَّدٌ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَالْهِبَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْإِبَاحَةِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ تُمَيِّزُ إقْبَاضَ الدَّيْنِ عَنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِقْبَاضِ.
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ جَازَ لَهُ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا بِنِيَّةٍ تُمَيِّزُهُ عَنْ الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ مَلَكَ التَّصَرُّفَ بِأَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ كَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ بِنِيَّةٍ فَلَوْ أَطْلَقَ الشِّرَاءَ عَنْ النِّيَّةِ لَانْصَرَفَ إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ أَفْعَالِهِ، وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى يَتِيمِهِ إلَّا بِنِيَّةٍ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute