بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ فِيهَا مُتَعَمِّدًا رُكْنًا لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِفَوَاتِ النِّيَّةِ الْحُكْمِيَّةِ فِيهِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ تَعَمَّدَ زِيَادَتَهُ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِرُكْنٍ لَا يُزَادُ مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ قَصَرَ زَمَانُ الشَّكِّ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ كَمَا لَا تَبْطُلُ بِالْكَلَامِ الْقَلِيلِ وَالْفِعْلِ الْيَسِيرِ فِي حَالِ النِّسْيَانِ، وَإِنْ طَالَ زَمَنُ التَّرَدُّدِ فَفِي الْبُطْلَانِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي الْبُطْلَانِ بِالْكَلَامِ الْكَثِيرِ وَالْفِعْلِ الْكَثِيرِ فِي حَالِ النِّسْيَانِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ النِّسْيَانَ الْيَسِيرَ غَالِبٌ وَالْكَلَامَ الْيَسِيرَ نَادِرٌ، وَقَدْ فَرَّقَ فِي الْأَعْذَارِ بَيْنَ غَالِبِهَا وَنَادِرِهَا، وَإِنْ أَتَى فِي حَالِ الشَّكِّ بِرُكْنٍ يُزَادُ مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ كَالْفَاتِحَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْتَدُّ بِهِ لِخُلُوِّهِ عَنْ النِّيَّةِ الْحُكْمِيَّةِ وَالْحَقِيقِيَّةِ، وَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ إنْ قَصَرَ زَمَانُ الشَّكِّ وَإِنْ طَالَ فَوَجْهَانِ وَالْفَرْقُ فِي تَغْلِيظِ أَحْكَامِ النِّيَّةِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْمُصَلِّيَ مُنَاجٍ لِرَبِّهِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ نُهِيَ عَنْ الِالْتِفَاتِ فِيهَا وَالْإِعْرَاضِ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمَا فِيهِ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ، وَزُجِرَ عَنْ الْفِعْلِ الْكَثِيرِ وَالْكَلَامِ الْكَثِيرِ وَأُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ فِي الْإِقْبَالِ عَلَى مُنَاجَاةِ ذِي الْجَلَالِ وَقَدْ قَالَ: «أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي» فَكَانَ تَرَدُّدُهُ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْمُجَالَسَةِ تَرْكًا لِلْإِقْبَالِ عَلَى ذِي الْجَلَالِ وَسُوءَ أَدَبٍ، فَلِذَلِكَ أَبْطَلَ تَرَدُّدَهُ فِي قَطْعِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ.
فَإِنَّ مَنْ أَمَرَهُ بَعْضُ الْكُبَرَاءِ بِمُنَاجَاتِهِ وَمُجَالَسَتِهِ فَجَالَسَهُ وَنَاجَاهُ ثُمَّ عَزَمَ عَلَى قَطْعِ مُجَالَسَتِهِ أَوْ مُنَاجَاتِهِ أَوْ تَرَدَّدَ فِي قَطْعِهَا فَإِنَّهُ يَعُدُّ ذَلِكَ - إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ - مِنْ سُوءِ أَدَبِ الْمُنَاجَاةِ وَالْمُجَالَسَةِ، وَلَيْسَ سَائِرُ الْعِبَادَاتِ بِمَثَابَةِ الصَّلَاةِ فِي الْمُجَالَسَةِ وَالْمُنَاجَاةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النُّسُكِ وَالصِّيَامِ أَنَّ النَّاسِكَ لَا يَخْرُجُ مِنْ نُسُكِهِ بِأَقْوَى الْمُفْسِدَاتِ وَهُوَ الْجِمَاعُ، فَكَذَلِكَ لَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ قَوَاعِدُ النِّيَّاتِ فَجَازَ أَنْ يَنْوِيَ إحْرَامًا كَإِحْرَامِ غَيْرِهِ، وَجَازَ أَنْ يُبْهِمَ إحْرَامَهُ ثُمَّ يَصْرِفَهُ إلَى أَحَدِ النُّسُكَيْنِ أَوْ إلَيْهِمَا، وَجَازَ أَنْ يَنْوِيَ النَّفَلَ فَيَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ أَوْ يَنْوِيَ الْحَجَّ عَنْ غَيْرِهِ فَيَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ أَبْطَلَهُ الشَّرْعُ بِمِثْلِ ذَلِكَ لَعَظُمَتْ الْمَشَقَّةُ فِي قَضَائِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute