الرُّتْبَتَيْنِ.
وَلَمَّا كَانَتْ الْمُبَالَغَةُ مُسْتَنِدَةً إلَى تَقْصِيرِهِ بِفِعْلِهِ مَا نَهَى عَنْهُ أَلْحَقَهَا بَعْضُهُمْ بِمَا تَيَسَّرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَأَبْطَلَ بِهَا الصَّوْمَ، وَأَلْحَقَهَا بَعْضُهُمْ بِالْمَضْمَضَةِ لِوُقُوعِهَا عَنْ الْغَلَبَةِ، وَتَخْتَلِفُ الْمَشَاقُّ بِاخْتِلَافِ الْعِبَادَاتِ فِي اهْتِمَامِ الشَّرْعِ فَمَا اشْتَدَّ اهْتِمَامُهُ بِهِ شَرَطَ فِي تَخْفِيفِهِ الْمَشَاقَّ الشَّدِيدَةَ أَوْ الْعَامَّةَ، وَمَا لَمْ يَهْتَمَّ بِهِ خَفَّفَهُ بِالْمَشَاقِّ الْخَفِيفَةِ، وَقَدْ تُخَفَّفُ مَشَاقُّهُ مَعَ شَرَفِهِ وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ لِتَكَرُّرِ مَشَاقِّهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الْمَشَاقِّ الْعَامَّةِ الْكَثِيرَةِ الْوُقُوعِ.
مِثَالُهُ: تَرْخِيصُ الشَّرْعِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ تُقَامُ مَعَ الْخَبَثِ الَّذِي يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَمَعَ الْحَدَثِ فِي حَقِّ الْمُتَيَمِّمِ وَالْمُسْتَحَاضَةِ، وَمَنْ كَانَ عُذْرُهُ كَعُذْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ.
وَكَذَلِكَ الْمَشَاقُّ فِي الْحَجِّ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مِنْهَا مَا يَعْظُمُ فَيَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَجِّ، وَمِنْهَا مَا يَخِفُّ وَلَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ، وَمِنْهَا مَا يَتَوَسَّطُ فَيُتَرَدَّدُ فِيهِ، وَمَا قَرُبَ مِنْهُ إلَى الْمَشَقَّةِ الْعُلْيَا كَانَ أَوْلَى بِمَنْعِ الْوُجُوبِ، وَمَا قَرُبَ مِنْهُ إلَى الْمَشَقَّةِ الدُّنْيَا كَانَ أَوْلَى بِأَلَّا يَمْنَعَ الْوُجُوبَ.
وَلَا تَخْتَصُّ الْمَشَاقُّ بِالْعِبَادَاتِ بَلْ تَجْرِي فِي الْمُعَامَلَاتِ.
مِثَالُهُ: الْغَرَرُ فِي الْبُيُوعِ، وَهُوَ أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا مَا يَعْسُرُ اجْتِنَابُهُ كَبَيْعِ الْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ وَالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ فِي قُشُورِهَا فَيُعْفَى عَنْهُ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَا يَعْسُرُ اجْتِنَابُهُ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا يَقَعُ بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ، مِنْهُمْ مَنْ يُلْحِقُهُ بِمَا عَظُمَتْ مَشَقَّتُهُ، لِارْتِفَاعِهِ عَمَّا خَفَّتْ مَشَقَّتُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْحِقُهُ بِمَا خَفَّتْ مَشَقَّتُهُ لِانْحِطَاطِهِ عَمَّا عَظُمَتْ مَشَقَّتُهُ، إلَّا أَنَّهُ تَارَةً يَعْظُمُ الْغَرَرُ فِيهِ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَبَيْعِ الْجَوْزِ الْأَخْضَرِ فِي قِشْرَتِهِ، وَتَارَةً يَخِفُّ الْعُسْرُ فِيهِ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَى بَيْعِهِ فَيَكُونُ الْأَصَحُّ جَوَازَهُ كَبَيْعِ الْبَاقِلَاءِ الْأَخْضَرِ فِي قِشْرَتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute