للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ فِي الْجَنَّةِ أَقْوَامًا» ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْحُورِ الْعِينِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ بِدَعًا مِنْ إحْسَانِهِ الْمُبْتَدَأِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، فَإِنَّهُ قَدْ أَحْسَنَ إلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَإِلَى النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، وَكَذَلِكَ أَحْسَنَ إلَى الْفُجَّارِ وَالْأَبْرَارِ فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَكَذَلِكَ إلَى الْحَيَوَانَاتِ مِنْ الْوُحُوشِ وَالْبَهَائِمِ وَالْأَنْعَامِ، وَقَدْ يُكَلِّفُ بِالطَّاعَةِ وَلَا يُثِيبُ عَلَيْهَا كَمَا كَلَّفَ الْمَلَائِكَةَ الْمُقَرَّبِينَ، وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، وَمَنْ اعْتَرَضَ زَادَ شَقَاؤُهُ، وَاشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَعَظُمَ عَنَاؤُهُ.

وَيُجَابُ عَلَى اعْتِرَاضِهِ أَنَّ الرُّبُوبِيَّةَ لَيْسَتْ مُقَيَّدَةً بِمَصَالِحِ الْعُبُودِيَّةِ، وَلَا حَجْرَ لِلْعِبَادِ عَلَى رَبِّهِمْ حَتَّى لَا يَفْعَلَ إلَّا مَا يُصْلِحُهُمْ، بَلْ الْقُدْرَةُ الْأَزَلِيَّةُ مُطْلَقَةٌ لَا تَتَقَيَّدُ بِمَا يُصْلِحُ الْعِبَادَ وَلَا بِمَا يَعْمُرُ الْبِلَادَ، وَلَا بِمَا يُوجِبُ الرَّشَادَ، وَقَدْ شَاهَدْنَا مَا يُبْتَلَى بِهِ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ وَلَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِ كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْبَهَائِمِ مِنْ الْآلَامِ وَالْأَوْصَابِ وَالْجُوعِ وَالظَّمَأِ وَالْغَرَقِ وَالْحَرْقِ، مَعَ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الرَّبَّ لَا يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ وَلَا يَتَضَرَّرُ بِفَقْدِهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَنْتَفِعُ الْمُبْتَلَى بِذَلِكَ بَلْ يَنْتَفِعُ بِفَقْدِهِ.

فَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْأَشْقِيَاءِ: إنَّمَا ذَلِكَ لِيُثِيبَهُمْ عَلَيْهِ؟ قُلْنَا لَهُ: قَدْ ضَلَلْت عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، أَمَا كَانَ فِي قُدْرَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَنْ يُحْسِنَ إلَيْهِمْ إلَّا عِوَضًا عَنْ تَعْذِيبِهِمْ؟ فَإِنْ قَالَ: لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَا يَخْفَى مَا فِي قُبْحِ هَذَا الْكَلَامِ.

وَإِنْ قَالَ: إنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ قِيلَ لَهُ فَلِمَاذَا أَضَرَّ بِهَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينِ؟ فَإِنْ قَالَ الشَّقِيُّ: إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَدْفَعَ ضَرَرَ مِنَّتِهِ.

فَجَوَابُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَلَّا يَخْلُقَ لِمِنَّتِهِ ضَرَرًا.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ مِنَّةَ رَبِّ الْعَالَمِينَ شَرَفًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَا خُرُوجَ لِأَحَدٍ مِنْهَا وَلَا انْفِكَاكَ لَهُ عَنْهَا، وَكَيْفَ نَخْرُجُ عَنْهَا وَهُوَ الْخَالِقُ لِذَوَاتِنَا وَجَمِيعِ صِفَاتِنَا وَأَرْزَاقِنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>