للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيمَا سِوَاهَا، فَيَقُولُ بَعْدَ هَذَا إنَّمَا نَصَبْت الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ لِجَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ دُونَ بَعْضٍ، وَهُمْ الَّذِينَ عَلِمَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنَّهُمْ يَأْتَمِرُونَ بِأَوَامِرِهِ، وَيَزْدَجِرُونَ بِزَوَاجِرِهِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَصَالِحَ الْآخِرَةِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِمُعْظَمِ مَصَالِحِ الدُّنْيَا كَالْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَنَاكِحِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمَنَافِعِ، فَلِذَلِكَ انْقَسَمَتْ الشَّرِيعَةُ إلَى الْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ فِي طَلَبِ الْمَصَالِحِ الْأُخْرَوِيَّةِ، وَإِلَى الْعِبَادَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِلَى مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ مَصَالِحُ الدُّنْيَا كَالزَّكَاةِ، وَإِلَى مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ مَصَالِحُ الْأُخْرَى كَالصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ انْقَسَمَتْ الْمُعَامَلَاتُ إلَى مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ

مَصَالِحُ الدُّنْيَا

كَالْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ، وَإِلَى مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ مَصَالِحُ الْآخِرَةِ كَالْإِجَارَةِ بِالطَّاعَاتِ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَإِلَى مَا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَصْلَحَتَانِ.

أَمَّا مَصَالِحُ الْأُخْرَى فَلِبَاذِلِيهِ، وَأَمَّا الْمَصَالِحُ الدُّنْيَا فَلِآخِذِيهِ وَقَابِلِيهِ، وَإِلَى مَا يَتَخَيَّرُ بَاذِلُوهُ بَيْنَ أَنْ يَجْعَلُوهُ لِدُنْيَاهُمْ أَوْ أُخْرَاهُمْ، أَوْ أَنْ يُشْرِكُوا فِيهِ بَيْنَ دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ.

وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ فَأَنْوَاعٌ. أَحَدُهَا: الْمَعَارِفُ الْمُخْتَصَّةُ بِاَللَّهِ - تَعَالَى -، وَكَذَلِكَ الْأَحْوَالُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَيْهَا.

النَّوْعُ الثَّانِي: الْأَقْوَالُ الْمُخْتَصَّةُ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - كَالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَسَائِرِ الْمَدَائِحِ الَّتِي بِهَا يُمْدَحُ الْإِلَهُ.

النَّوْعُ الثَّالِثُ: الْأَفْعَالُ الْمُخْتَصَّةُ بِاَللَّهِ كَالْحَجِّ فِي الْعُمْرَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالصِّيَامِ وَالطَّوَافِ الْمُجَرَّدِ وَالِاعْتِكَافِ.

النَّوْعُ الرَّابِعُ: مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ حَقُّ اللَّهِ وَفِيهِ حَقٌّ لِلْعِبَادِ كَالصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>