بَعِيدٌ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعَظَمَةَ نِسْبِيَّةٌ وَلَمْ يَسْتَعْمِلْ الشَّرْعُ لَفْظَهَا فِي نُصُبِ الزَّكَاةِ، وَكَيْفَ يُحْمَلُ قَوْلُ فَقِيرٍ يَعْتَقِدُ أَنَّ الدِّينَارَ عَظِيمٌ عَلَى عِشْرِينَ دِينَارًا وَيُحْمَلُ قَوْلُ الْخَلِيفَةِ الَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ الْمِئِينَ حَقِيرَةٌ وَالْقِنْطَارَ عَظِيمٌ عَلَى عِشْرِينَ دِينَارَا وَالْمَخْرَجُ مِنْ هَذَا صَعْبٌ.
الْمِثَالُ الثَّامِنُ: إذَا قَالَ لِرَجُلٍ أَنْتَ أَزَنَى النَّاسِ أَوْ قَالَ أَنْتَ أَزَنَى مِنْ زَيْدٍ فَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّ زِنَاهُ أَكْثَرُ مِنْ زِنَا زَيْدٍ وَأَكْثَرُ مِنْ زِنَا سَائِرِ النَّاسِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُولَ أَنْتَ أَزَنَى زُنَاةِ النَّاسِ، وَفُلَانٌ زَانٍ وَأَنْتَ أَزَنَى مِنْهُ وَفِي هَذَا بُعْدٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَجَازَ قَدْ غَلَبَ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ، فَيُقَالُ فُلَانٌ أَشْجَعُ النَّاسِ، وَأَسْخَى النَّاسِ، وَأَعْلَمُ النَّاسِ، وَأَحْسَنُ النَّاسِ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ يَفْهَمُونَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّهُ أَشْجَعُ شُجْعَانِ النَّاسِ، وَأَسْخَى أَسْخِيَاءِ النَّاسِ، وَأَعْلَمُ عُلَمَاءِ النَّاسِ، وَأَحْسَنُ حِسَانِ النَّاسِ، وَالتَّعْيِيرُ الَّذِي وَجَبَ الْحَدُّ لِأَجْلِهِ حَاصِلٌ بِهَذَا اللَّفْظِ فَوْقَ حُصُولِهِ بِقَوْلِهِ أَنْتَ زَانٍ.
الْمِثَالُ التَّاسِعُ: أَنَّ الْقُرْآنَ يُطْلَقُ عَلَى الْأَلْفَاظِ الْمُتَدَاوَلَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ الْأَلْفَاظِ، وَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْأَلْفَاظِ أَظْهَرُ وَأَغْلَبُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي مَدْلُولِهَا، فَإِذَا حَلَفَ بِالْقُرْآنِ فَقَدْ حَمَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْأَلْفَاظِ فَلَمْ يَحْكُمْ بِانْعِقَادِ يَمِينِهِ، وَحَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ عَلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ وَأَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ تَحْنِيثُ الْحَالِفِ بِالْمُصْحَفِ إذَا خَالَفَ مُوجِبَ يَمِينِهِ.
الْمِثَالُ الْعَاشِرُ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا رَأَيْت الْهِلَالَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَآهُ غَيْرُهَا طَلُقَتْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَمْلًا لِلرُّؤْيَةِ عَلَى الْعِرْفَانِ، وَهَذَا عَلَى خِلَافِ الْوَضْعِ وَعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ، وَخَالَفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ، وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِصِحَّةِ قَوْلِ النَّاسِ رَأَيْنَا الْهِلَالَ، وَإِنْ لَمْ يَرَوْهُ كُلُّهُمْ: وَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَ النَّاسِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute