للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَأَيْنَا الْهِلَالَ مِنْ مَجَازِ نِسْبَةِ فِعْلِ الْبَعْضِ إلَى الْكُلِّ، كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ

" وَإِنْ تَقْتُلُونَا نَقْتُلْكُمْ "

مَعْنَاهُ وَإِنْ تَقْتُلُوا بَعْضَنَا نَقْتُلْكُمْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} [البقرة: ٧٢] ، وَإِنَّمَا قَتَلَهُ بَعْضُهُمْ وَادَّارَءُوا فِيهِ، وَكَذَلِكَ وقَوْله تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [التوبة: ٧] ، فَنَسَبَ الْمُعَاهَدَةَ إلَى الْجَمَاعَةِ مَعَ تَفَرُّدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا، فَلَيْسَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ بِمَجَازٍ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ، فَإِنَّ مَجَازَ مَحَلِّ النِّزَاعِ لَا يَشْهَدُ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ، فَإِنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى نَفْسِ رُؤْيَتِهَا وَهِيَ وَاحِدَةٌ لَا يُنْسَبُ إلَيْهَا مَا وُجِدَ فِي غَيْرِهَا، فَاسْتَدَلَّ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَجَازِ عَلَى نَوْعٍ آخَرَ لَا يُنَاسِبُهُ وَلَا يُوَافِقُهُ.

الْمِثَالُ الْحَادِيَ عَشَرَ: لَوْ ادَّعَى السُّوقَةُ عَلَى الْخَلِيفَةِ أَوْ عَلَى عَظِيمٍ مِنْ الْمُلُوكِ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِكَنْسِ دَارِهِ وَسِيَاسَةِ دَوَابِّهِ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يَقْبَلُهُ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَمُخَالَفَةِ الظَّاهِرِ، وَخَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ وَخِلَافُهُ مُتَّجَهٌ لِظُهُورِ كَذِبِ الْمُدَّعِي.

وَالْقَاعِدَةُ فِي الْأَخْبَارِ مِنْ الدَّعَاوَى وَالشَّهَادَاتِ وَالْأَقَارِيرِ وَغَيْرِهَا أَنَّ مَا كَذَّبَهُ الْعَقْلُ أَوْ جَوَّزَهُ وَأَحَالَتْهُ الْعَادَةُ فَهُوَ مَرْدُودٌ.

وَأَمَّا مَا أَبْعَدَتْهُ الْعَادَةُ مِنْ غَيْرِ إحَالَةٍ فَلَهُ رُتَبٌ فِي الْبُعْدِ وَالْقُرْبِ قَدْ يُخْتَلَفُ فِيهَا، فَمَا كَانَ أَبْعَدَ وُقُوعًا فَهُوَ أَوْلَى بِالرَّدِّ، وَمَا كَانَ أَقْرَبَ وُقُوعًا فَهُوَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ، وَبَيْنَهُمَا رُتَبٌ مُتَفَاوِتَةٌ.

الْمِثَالُ الثَّانِيَ عَشَرَ: إذَا ادَّعَى الصَّدُوقُ اللَّهْجَةِ أَنَّهُ أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ إلَى رَبِّهِ وَهُوَ فَاجِرٌ كَذَّابٌ فَأَنْكَرَهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ.

الْمِثَالُ الثَّالِثَ عَشَرَ: إذَا تَعَاشَرَ الزَّوْجَانِ عَلَى الدَّوَامِ مُدَّةَ عِشْرِينَ سَنَةً فَادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا شَيْئًا وَلَمْ يُكْسِهَا شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَعَ مُخَالَفَةِ هَذَا الظَّاهِرِ فِي الْعَادَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>