الْمِثَالُ السَّابِعُ: تَوْزِيعُ الْقِيمَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ الْمَبِيعَةِ فِي الصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ وَعَلَى الْمَنَافِعِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِإِجَارَةٍ وَاحِدَةٍ. مِثَالُهُ فِي الْبُيُوعِ: إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا وَأُخْرَى تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ بِتِسْعِمِائَةٍ فَإِنَّا نُقَابِلُ الَّتِي تُسَاوِي أَلْفًا بِسِتِّمِائَةٍ وَاَلَّتِي تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ بِثَلَاثِمِائَةٍ، وَمِثَالُهُ فِي الْإِجَارَةِ إجَارَةُ مَنَازِلِ مَكَّةَ فَإِنَّ الشَّهْرَ مِنْهَا فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ يُسَاوِي عَشَرَةً، وَبَقِيَّةُ السَّنَةِ تُسَاوِي عَشَرَةً فَيُقَابَلُ شَهْرُ الْمَوْسِمِ بِنِصْفِ الْأُجْرَةِ، وَبَقِيَّةُ السَّنَةِ بِمَا بَقِيَ مِنْهَا، فَإِنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَبْذُلُونَ أَشْرَفَ الثَّمَنَ فِي أَشْرَفِ الْمُثَمَّنِ، وَأَرْذَلَهُ فِي أَرْذَلِهِ وَيُقَابِلُونَ النَّفِيسَ بِالنَّفِيسِ وَالْخَسِيسَ بِالْخَسِيسِ، وَكَذَلِكَ فِي الْإِجَارَاتِ.
وَلَا يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى خَرَزَةً وَدُرَّةً بِأَلْفٍ فِي أَنَّهُ بَذَلَ فِي الدِّرَّةِ أَكْثَرَ الثَّمَنِ وَفِي الْخَرَزَةِ أَقَلَّهُ، وَأَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا خَسِيسَةً مَعَ دَارٍ نَفِيسَةٍ أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً فَارِهَةً مَعَ دَابَّةٍ بَطِيئَةٍ أَوْ اسْتَأْجَرَ سَيْفًا قَاطِعًا وَسَيْفًا كَالًّا، أَنَّهُ بَذَلَ أَكْثَرَ الْأُجْرَةِ فِي أَكْثَرِ ذَلِكَ مَنْفَعَةً وَأَقَلَّ الْأُجْرَةِ فِي أَقَلِّ ذَلِكَ مَنْفَعَةً.
وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ امْتَنَعَتْ مَسْأَلَةُ مُدِّ عَجْوَةٍ، وَمَسْأَلَةُ الْمُرَاطَلَةِ، وَكَذَلِكَ أَخْذُ الشِّقْصِ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَجَازَ لِمَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ بِثَمَنٍ أَنْ يُوَزِّعَ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَتِهِمَا ثُمَّ يُخْبِرُ أَنَّهُ اشْتَرَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يَقْتَضِيهِ التَّوْزِيعُ عَلَى الْقِيمَةِ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي مَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ مِنْ مُقَابِلِهِ الرِّبَوِيِّ بِمِثْلِهِ مِنْ الرِّبَوِيِّ فَبَعِيدٌ إذْ لَا يَخْطُرُ مَا ذَكَرَهُ عَلَى بَالِ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدِينَ، بِخِلَافِ الْحَمْلِ عَلَى التَّوْزِيعِ فَإِنَّهُ غَالِبٌ مَفْهُومٌ.
فَإِنْ قِيلَ: وَضْعُ الْعُقُودِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَقْصُودِ، وَأَنْ تَتَوَزَّعَ أَجْزَاءُ الْعِوَضِ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَقْصُودِ، فَإِذَا مَاتَ الْأَجِيرُ فِي أَثْنَاءِ الْحَجِّ فَهَلَّا تَسْقُطُ جَمِيعُ أُجْرَتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ شَيْئًا مِنْ مَقْصُودِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute