كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْعَفْوِ وَالْإِبْرَاءِ، أَمَّا مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ: كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنْ لَمْ يَقُمْ مَقَامَ اللَّفْظِ عُرْفٌ تَعَيَّنَ اللَّفْظُ، إلَّا فِيمَنْ خَرِسَ لِسَانُهُ وَتَعَذَّرَ بَيَانُهُ فَإِنَّ إشَارَتَهُ تَقُومُ مَقَامَ لَفْظِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، إذْ لَا مَنْدُوحَةَ عَنْهُ وَلَا خَلَاصَ مِنْهُ.
وَفِي إقَامَةِ الْكِتَابَةِ مَقَامَ اللَّفْظِ فِي حَقِّ النَّاطِقِ اخْتِلَافٌ، وَإِنْ حَصَلَ عُرْفٌ دَالٌّ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ كَالْمُعَاطَاةِ فِي مُحَقَّرَاتِ الْبِيَاعَاتِ وَاسْتِعْمَالِ الصُّنَّاعِ، وَتَقْدِيمِ الطَّعَامِ إلَى الضَّيْفَانِ، فَفِي إقَامَةِ الْعُرْفِ مَقَامَ اللَّفْظِ خِلَافٌ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الرِّضَا عَلَى الْمَقْصُودِ، فَإِنْ حَصَلَ الْعِلْمُ أَوْ الِاعْتِقَادُ أَوْ ظَنٌّ قَوِيٌّ يَرْبَى عَلَى الظَّنِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أُقِيمَ ذَلِكَ مَقَامَ اللَّفْظِ لِقُوَّةِ دَلَالَةِ الْعُرْفِ وَإِطْرَادِهِ، وَكَذَلِكَ كَدُخُولِ الْحَمَّامَاتِ وَالْقَيَاسِيرِ وَالْحَانَاتِ وَدُورِ الْقُضَاةِ وَالْوِلَايَاتِ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ فِيهَا بِالْجُلُوسِ لِلْخُصُومَاتِ وَالْحُكُومَاتِ وَقَدْ ذَكَرْنَا لِذَلِكَ نَظَائِرَ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ عُرْفٌ وَلَا كِتَابَةٌ تَعَيَّنَ اللَّفْظُ كَمَا فِي الْأَنْكِحَةِ.
فَإِنْ قِيلَ هَلْ يَسْتَقِلُّ أَحَدٌ بِالتَّمَلُّكِ وَالتَّمْلِيكِ، وَهَلْ يَقُومُ أَحَدٌ مَقَامَ اثْنَيْنِ أَمْ لَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ.
أَحَدُهَا: الْأَبُ يَسْتَقِلُّ بِبَيْعِ مَالِ ابْنِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَبِبَيْعِ مَالِ نَفْسِهِ مِنْ ابْنِهِ.
وَكَذَلِكَ فِي الْإِجَارَةِ وَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ يَسْتَقِلُّ بِتَمْلِيكِ مَالِ ابْنِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَبِتَمْلِيكِ مَالِ ابْنِهِ لِنَفْسِهِ، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ هَلْ يُفْتَقَرُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا نَعَمْ لِيَأْتِيَ بِصُورَةِ الْعَقْدِ، وَالثَّانِي لَا، لِتَحَقُّقِ الرِّضَا فَإِذَا أَتَى بِأَحَدِ شِقَّيْ الْعَقْدِ أَتَى بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْجَدُّ لِقُوَّةِ الْوِلَايَةِ، وَإِنْ زَوَّجَ الْجَدُّ بِنْتَ ابْنِهِ ابْنَ ابْنِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ، مَأْخَذُهُ إنْ تَوَلِّيَ الْأَبِ لِطَرَفَيْ الْبَيْعِ كَانَ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ أَوْ لِقُوَّةِ الْوِلَايَةِ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: اسْتِقْلَالُ الشَّفِيعِ بِأَخْذِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ بِهِ بِبَذْلِ الثَّمَنِ وَهَذَا اسْتِقْلَالٌ بِالتَّمَلُّكِ وَالتَّمْلِيكِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute