للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ فُضِّلَ الْبَشَرُ عَلَى الْمَلَكِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَإِنْ فُضِّلَ الْمَلَكُ عَلَى الْبَشَرِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَالْفَضْلُ مُنْحَصِرٌ فِي أَوْصَافِ الْكَمَالِ، وَالْكَمَالُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْمَعَارِفِ وَالطَّاعَاتِ وَالْأَحْوَالِ.

أَمَّا بِالْأَفْرَاحِ وَاللَّذَّاتِ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ إلَى أَجْسَادِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ بِمَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. وَأَحْسَنُ إلَى أَرْوَاحِهِمْ بِالْمَعَارِفِ الْكَامِلَةِ وَالْأَحْوَالِ الْمُتَوَالِيَةِ، وَأَذَاقَهُمْ لَذَّةَ النَّظَرِ إلَيْهِ وَسُرُورِ رِضَاهُ عَنْهُمْ وَكَرَامَةِ تَسْلِيمِهِ عَلَيْهِمْ فَمِنْ أَيْنَ لِلْمَلَائِكَةِ مِثْلُ هَذَا؟

وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَجْسَادَ مَسَاكِنُ الْأَرْوَاحِ وَلِلسَّاكِنِ وَالْمُسْكَنِ أَحْوَالٌ:

إحْدَاهَا: أَنْ يَكُونَ السَّاكِنُ أَشْرَفَ مِنْ الْمُسْكَنِ.

الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الْمُسْكَنُ أَشْرَفَ مِنْ السَّاكِنِ الثَّالِثُ: يَتَسَاوَيَا فِي الشَّرَفِ فَلَا يُفَضَّلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَإِذَا كَانَ الشَّرَفُ لِلسَّاكِنِ فَلَا مُبَالَاةَ بِخَسَاسَةِ الْمُسْكَنِ، وَإِذَا كَانَ الشَّرَفُ لِلْمُسْكَنِ فَلَا يَتَشَرَّفُ بِهِ السَّاكِنُ وَالْأَجْسَادُ مَسَاكِنُ الْأَرْوَاحِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي التَّفْضِيلِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْبَشَرِ وَالْمَلَكِ: فَإِنْ فَاضَلَ بَيْنَهُمَا مُفَضِّلٌ مِنْ جِهَةِ تَفَاوُتِ الْأَجْسَادِ الَّتِي هِيَ مَسَاكِنُ الْأَرْوَاحِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَفْضَلُ وَأَشْرَفُ مِنْ أَجْسَادِ الْبَشَرِ الْمُرَكَّبَةِ مِنْ الْأَخْلَاطِ الْمُسْتَقْذَرَةِ، وَإِنْ فَاضَلَ بَيْنَ أَرْوَاحِ الْبَشَرِ وَأَرْوَاحِ الْمَلَائِكَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ إلَى الْأَجْسَادِ، فَأَرْوَاحُ الْأَنْبِيَاءِ أَفْضَلُ مِنْ أَرْوَاحِ الْمَلَائِكَةِ، لِأَنَّهُمْ فُضِّلُوا عَلَيْهِمْ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا الْإِرْسَالُ وَرُسُلُ الْمَلَائِكَةِ قَلِيلٌ، وَلِأَنَّ رَسُولَ الْمَلَائِكَةِ يَأْتِي إلَى نَبِيٍّ وَاحِدٍ، وَرَسُولَ الْأُمَمِ يَأْتِي إلَى أُمَمٍ وَإِلَى أُمَّةٍ وَاحِدَةٍ فَيَهْدِيهِمْ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ فَيَكُونُ لَهُ أَجْرُ تَبْلِيغِهِ، وَمِثْلُ أَجْرِ كُلِّ مَنْ اهْتَدَى عَلَى يَدَيْهِ، وَلَيْسَ مِثْلَ هَذَا الْمَلَكُ.

الثَّانِي: الْقِيَامُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

الثَّالِثُ: الصَّبْرُ عَلَى الْمَصَائِبِ الدُّنْيَا وَمِحَنِهَا وَاَللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ.

الرَّابِعُ: الرِّضَا بِمُرِّ الْقَضَاءِ وَحُلْوِهِ.

الْخَامِسُ: نَفْعُ الْعِبَادِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَجَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَكَارِهِ، وَلَيْسَ لِلْمَلَائِكَةِ شَيْءٌ مِثْلُ هَذَا

السَّادِسُ: مَا أَعَدَّهُ فِي الْآخِرَةِ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>