للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ مِثْلُ هَذَا لِلْمَلَائِكَةِ.

السَّابِعُ: مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنْ النَّعِيمِ الرُّوحَانِيِّ كَالْأُنْسِ وَالرِّضَا وَالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَلَيْسَ لِلْمَلَائِكَةِ مِثْلُ هَذَا.

فَإِنْ قِيلَ الْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ، وَالْأَنْبِيَاءُ يَفْتُرُونَ وَيَنَامُونَ؟ قُلْت إذَا فَتَرَتْ الْأَنْبِيَاءُ عَنْ التَّسْبِيحِ فَقَدْ يَأْتُونَ فِي حَالِ فُتُورِهِمْ مِنْ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَمِنْ الطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ التَّسْبِيحِ، وَالنَّوْمُ مُخْتَصٌّ بِأَجْسَادِهِمْ، وَقُلُوبُهُمْ مُتَيَقِّظَةٌ غَيْرُ نَائِمَةٍ وَسَيُسَاوُونَهُمْ فِي الْآخِرَةِ فِي إلْهَامِ التَّسْبِيحِ كَمَا يُلْهِمُونَ النَّفْسَ.

الْوَجْهُ الثَّامِنُ: وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ اللَّهَ عَرَّفَهُ مِنْ أَسْمَاءِ كُلِّ شَيْءٍ وَمَنَافِعِهِ مَا لَا يَعْرِفُونَ. الْوَجْهُ التَّاسِعُ: وَهُوَ أَيْضًا مُخْتَصٌّ بِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَسْجُودَ لَهُ أَفْضَلُ وَأَشْرَفُ مِنْ السَّاجِدِينَ.

وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَمَا يُفَضِّلُ الْمَلَائِكَةَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ إلَّا هِجَامٌ يُبْنَى التَّفْضِيلُ عَلَى خَيَالَاتِ تَوَهَّمَهَا، وَأَوْهَامٌ فَاسِدَةٌ اعْتَمَدَهَا وَلَمْ يَتَقَرَّرْ بِالْخَيَالَاتِ وَالتَّوَهُّمَاتِ مِنْ أُمُورٍ يَعْلَمُ اللَّهُ خِلَافَهَا، بَلْ قَدْ يَرَى الْإِنْسَانُ اثْنَيْنِ فَيَظُنُّ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْآخَرِ، لِمَا يَرَى مِنْ طَاعَتِهِ الظَّاهِرَةِ، وَالْآخَرُ أَفْضَلُ مِنْهُ بِدَرَجَاتٍ كَثِيرَةٍ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعَارِفِ وَالْأَحْوَالِ، وَالْقَلِيلُ مِنْ أَعْمَالِ الْأَعْرَفِ خَيْرٌ مِنْ الْكَثِيرِ مِنْ أَعْمَالِ الْعَارِفِ، وَأَيْنَ الثَّنَاءُ مِنْ الْمُسْتَحْضِرِينَ لِأَوْصَافِ الْجَلَالِ وَتَعَرُّفِ الْكَمَالِ مِنْ ثَنَاءِ الْمُسَبِّحِينَ بِأَلْسِنَتِهِمْ الْغَافِلِينَ بِقُلُوبِهِمْ.

لَيْسَ التَّكَحُّلُ فِي الْعَيْنَيْنِ كَالْكُحْلِ

لَيْسَ اسْتِجْلَابُ الْأَحْوَالِ بِاسْتِذْكَارِهَا الْمَعَارِفَ كَمَنْ تَحْضُرُهُ الْمَعَارِفُ بِغَيْرِ سَعْيٍ وَلَا اكْتِسَابٍ، وَلَا عِبْرَةَ بِفَضْلِ أَجْسَادِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى أَجْسَادِ الْأَنْبِيَاءِ، لِأَنَّ الْأَجْسَادَ مَسَاكِنُ وَلَا شَرَفَ بِالْمَسَاكِنِ، وَإِنَّمَا الشَّرَفُ بِالْأَوْصَافِ الْقَائِمَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>