للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيصر ولا نقدر أن نذهب إلى الغائط {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا} أي فأرسلنا على الأحزاب ريحاً شديدة وجنوداً من الملائكة لم تروهم وكانوا قرابة ألف، قال المفسرون: بعث الله عليهم ريحاً عاصفاً وهي ريح الصبا في ليلة شديدة البرد والظلمة، فقلعت بيوتهم، وكفأت قدروهم، وصارت تلقي الرجل على الأرض، وأرسل الله الملائكة فزلزلتهم ولم تقاتل بل ألقت في قلوبهم الرغب {وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} أي وهو تعالى مطلع على ما تعملون من حفر الخندق، والثبات على معاونة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في ذلك الوقت {إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ} أي حين جاءتكم الأحزاب من فوق الوادي يعني من أعلاه قِبل المشرق، ومنه جاءت أسد وغطفان {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ} أي ومن أسفل الوادي يعني أدناه قِبل المغرب، ومنه جاء قريش وكنانة وأوباش العرب، والغرض أن المشركين جاؤوهم من جهة المشرق والمغرب، وأحاطوا بالمسلمين إحاطة السوار بالمعصم، وأعانهم يهود بني قريظة فنقضوا العهد مع الرسول وانضموا إِلى المشركين، فاشتد الخوف، وعظُم البلاء ولهذا قال تعالى {وَإِذْ زَاغَتِ الأبصار} أي وحين مالت الأَبصار عن سننها ومستوى نظرها حيرةً وشخوصاً لشدة الهول والرعب {وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر} أي زالت عن أماكنها من الصدور حتى كادت تبلغ الحناجر، وهذا تمثيلٌ لشدة الرغب والفزع الذي دهاهم، حتى كأن أحدهم قد وصل قلبه إِلى حنجرته من شدة ما يلاقي من الهول {وَتَظُنُّونَ بالله الظنونا} أي وكنتم في تلك الحالة الشديدة تظنون الظنون المختلفة، قال الحسن البصري: ظن المنافقون أن المسلمين يُستأصلون، وظنَّ المؤمنون أنهم يُنصرون، فالمؤمنون ظنوا خيراً، والمنافقون ظنوا شراً، وقال ابن عطية: كاد المؤمنون يضطربون ويقولون: ما هذا الخُلف للوعد؟ وهذه عبارة عن خواطر خطرت للمؤمنين لا يمكن للبشر دفعها، وأما المنافقون فتعجلوا ونطقوا وقالوا: ما وعدنا الله ورسوله إِلا غروراً {هُنَالِكَ ابتلي المؤمنون} أي في ذلك الزمان والمكان امتحن المؤمنون واختبرونا، ليتميز المخلص الصادق من المنافق، قال القرطبي: وكان هذا الإِبتلاءُ بالخوف والقتال، والجوع والحصر والنزال {وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً} أي وحرّكوا تحريكاً عنيفاً من شدة ما دهاهم، حتى لكأن الأرض تتزلزل بهم وتضطرب تحت أقدامهم، قال ابن جزي: وأصل الزلزلة شدةُ التحريك وهو هنا عبارة عن اضطراب القلوب وتزعزعها {وَإِذْ يَقُولُ المنافقون والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} أي واذكر حين يقول المنافقون، والذين في قلوبهم مرض النفاق، لأن الإِيمان لم يخالط قلوبهم {مَّا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً} أي وما وعدنا الله ورسوله إِلا باطلاً وخداعاً، قال الصاوي: والقائل هو «متعب بن قشير» الذي قال: يعندا محمدٌ بفتح فارس والروم، وأحدُنا لا يقدر أن يتبرز فرقاً، ما هذا إِلا وعد غرور

<<  <  ج: ص:  >  >>