اللغَة:{عَلَقٍ} جمع علقة وهي الدم الجامد، سميت علقة لأنها تعلق بالرحم {نَسْفَعاً} السَّفع: الجذب بشدة وقوة أهل اللغة: سفعت بالشيء إِذا قبضتُ عليه وجذبته جذباً شديداً، وسفع بناصية فرسه جذبها قال الشاعر:
{الناصية} شعر مقدَّم الرأس {الزبانية} مأخوذ من الزَّبن وهو الدفع، والمراد بهم ملائكة العذاب، الغلاظ الشداد، والعرب يطلقون هذا الاسم على من اشتد بطشه قال الشاعر:
مطاعيم في القُصْوى، مطاعين ... في الوغى زبانيةٌ غلبٌ عظام حلومها
«روي أن أبا جهل قال لأصحابه يوماً: هل يُعفِّر محمد وجهه بين أظهرهم؟ يريد هل يصلي ويسجد أمامكم قالوا: نعم، فقال: واللأَّت والعزى لئن رأيته يصلي كذلك لأطأنَّ على رقبته، ولأُعفرنَّ وجهه في التراب، فجاء يوماً فوجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يصلي، فأقبل يريد أن يطأ على رقبته، فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه، فقيل له: ما لك؟ قال: إِن بني وبينه خندقاً من نار، وهولاً وأجنحة فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» لو دنا مني لاختفطته الملائكةُ عضواً عظواً «فأنزل الله {أَرَأَيْتَ الذي ينهى عَبْداً إِذَا صلى} إِلى آخر السورة.
التفسير:{اقرأ باسم رَبِّكَ الذي خَلَقَ} هذا أول خطاب إِلهي إِلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وفيه دعوةٌ إِلى القراءة والكتابة والعلم، لأنه شعار دين الإِسلام أي إقرأ يا محمد القرآن مبتدئاً ومستعيناً باسم ربك الجليل، الذي خلق المخلوقات، وأوجد جميع العوالم، ثم فسَّر الخلق تفخيماً لشأن الإِنسان فقال {خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ} أي خلق هذا الإِنسان البديع الشكل، الذي هو أشرف المخلوقات من العلقة هي الدودة الصغيرة وقد أثبت الطبُّ الحديث أن المنيّ الذي خلق منه الإِنسان محتوٍ على حيواناتٍ وديدان صغيرة لا تُرى بالعين، وإنما ترى بالمجهر الدقيق الميكرسكوب وأن لها رأساً وذنباً، فتبارك الله أحسن الخالقين قال القرطبي: خصَّ الإِنسان بالذكر تشريفاً له، والعلقةُ قطعة من ادمٍ رطب، سميت بذلك لأنها تعلق لرطوبتها بما تمرُّ عليه {اقرأ وَرَبُّكَ الأكرم} أي اقرأ يا محمد وربك العظيم الكريم، الذي لا يساويه ولا يدانيه كريم، وقد دلَّ على كمال كرمه أنه علَّم العباد ما لم يعلموا {الذى عَلَّمَ بالقلم عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ} أي الذي علَّم الخطَّ والكتابة بالقلم، وعلَّم البشر ما لم يكونوا يعرفونه من العلوم والمعارف، فنقلهم من ظلمة