المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى حادثة الإفك، أبتعها بالتحذير من سلوك طريق الشيطان المتربص بالإِنسان الذي يدعو إلى السوء والشر والفساد، ثم ذكر تعالى آداب الاستئذان والزيارة لأن أهل الإِفك إنما وجدوا السبيل إلى بهتانهم ن حيث اتفقت الخلوة فصارت طريقاً للتهمة، فأوجب تعالى ألا يدخل إنسان ببيت غيره إلا بعد الاستئذان والسلام، ثم أبتعها بآيات غضِّ البصر.
اللغَة:{يَأْتَلِ} يحلف والأليَّةُ: اليمين ومنه {يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ}[البقرة: ٢٢٦] اي يحلفون {المحصنات} العفائف الشريفات الطاهرات جمع محصنة وهي العفيفة {مُبَرَّءُونَ} منزهون والبراءة: النزاهة مما نسب للإِنسان من تهمة {تَسْتَأْنِسُواْ} تستأذنوا وأصله في اللغة: طلبُ الأنس بالشيء قال الشاعر:
{يَغُضُّواْ} غضَّ بصره: خفضه ونكَّسه وأصله إطباق الجفن على الجفن قال جرير:
فغُضَّ الطّرف إنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا
{بِخُمُرِهِنَّ} جمع خمار وهو ما تغطي به المرأة رأسها، وخمّروا الآنية أي غطوها {جُيُوبِهِنَّ} جمع جيب وهو الصدر {الإربة} الحاجة إلى النساء.
سَبَبُ النّزول: أ - كان أبو بكر الصدّيق ينفق على «مسطح بن أُثاثة» لمسكنته وقرابته، فلما وقع أمر الإِفك وقال فيه مسطحٌ ما قال، حلف أبو بكر ألا ينفق عليه ولا ينفعه بنافعةٍ أبداً فأنزل الله {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة. .} الآية فقال أبو بكر: واللهِ إني لأحبُ أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق التي كان ينفق عليه وقال: والله لا أنزعها منه أبداً.
ب - عن علي كرم الله وجهه قال: مرَّ رجل على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في طريقٍ من طرقات المدينة، فنظر إلى امرأةٍ ونظرت إليه، فوسوس لهما الشيطان أنه لم نيظر أحدهما إلى الآخر إلا إعجاباً به، فبينما الرجل يمشي إلى جانب حائط ينظر إليها إذ استقبله الحائط «أي صدمه الحائط» فشقَّ أنفه فقال: والله لا أغسل الدم حتى آتي رسول الله صلى الله عليهوسلم فأُعلمه أمري، فأتاه فقصَّ عليه قصته فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: هذا عقوبة ذنبك فأنزل الله {قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ. .} الآيات.
التفسِير:{ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان} أي يا من صدَّقتم بالله ورسوله لا تتبعوا لآثار الشيطان ولا تسلكوا مسالكه بإِشاعة الفاحشة، والإِصغاء إِلى الإِفك والقول به {وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشيطان} أي ومن يتبع سيرة الشيطان وطريقته {فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بالفحشآء والمنكر} أي فإِن الشيطان يضل الإِنسان ويغويه لأنه يأمر بالفحشاء وهي ما أفرط قبحه، والمنكر وهو ما ينكره الشرع وتنفر منه العقول السليمة {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} أي لولا فضل الله عليكم أيها المؤمنون بالتوفيق للتوبة الماحية للذنوب، وبشرع الحدود المكفرة للخطايا {مَا زَكَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً} أي ما تطهر أحدٌ منكم من الأوزار أبد الدهر {ولكن الله يُزَكِّي مَن يَشَآءُ} أي ولكن الله بفضله ورحمته يطهر من يشاء بتوفيقه للتوبة النصوح وقبولها منه قال القرطبي: والغرض أن تزكيته لكم، وتطهيره وهدايته إنما هي بفضله لا بأعمالكم {والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي سميع لأقوالكم عليم بنياتكم