المناسَبَة: لما ذكر تعالى الكافرين، وشبّههم بالأنعام السارحة لأنهم أعرضوا عن قبول دعوة الله، أمر المؤمنين هنا بالاستجابة لله والرسول، وقبول دعوته التي فيها حياة القلوب، وبها السعادة الكاملة في الدنيا والآخرة.
اللغَة:{مُكَآءً} المكاء: الصغير قال أبو عبيدة: والكثير في الأصوات أن تكون على فعال كالصراخ والخوار والدُّعاء والنباح {تَصْدِيَةً} التصدية: التصفيق يقال: صدى تصدية إِذا صفق بيديه وأصله من الصَّدى وهو الصوت الذي يرجع من الجبل {فَيَرْكُمَهُ} الركم: الجمع قال الليث: هو أن تجمع الشيء فوق الشيء حتى تجعله ركاماً مركوما كركام الرمل والسحاب {سَلَفَ} مضى {سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} عادة الله وسنته في إِهلاك المكذبين من الأمم السالفة {مَوْلاَكُمْ} ناصركم ومعينكم.
سَبَبُ النّزول: أخرج ابن جرير عن الزهري «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما حاصر يهود بني قريظة طلبوا الصلح فأمرهم أن ينزلوا على حكم» سعد بن معاذ «فقالوا: أرسل لنا» أبا لبابة «فبعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِليهم فقالوا: يا أبا لبابة ما ترى؟ أننزل على حكم سعد؟ فأشار إِلى حلقه يعني أنه الذبح، قال أبو لبابة: والله ما زالت قدماي عن مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله فقال: لا والله لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله عليَّ فنزلت الآية»{ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ الله والرسول ... .} الآية ثم نزلت توبته.
التفسِير:{ياأيها الذين آمَنُواْ استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} أي أجيبوا دعاء رسوله إِذا دعاكم للإِيمان الذي به تحيا النفوس، وبه تحيون الحياة الأبدية قال قتادة: هو القرآن فيه الحياة، والثقة، والنجاة، والعصمة في الدنيا والآخرة {وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ} أي أنه تعالى المتصرف في جميع الأشياء، يصرّف القلوب كيف يشاء بما لا يقدر عليه صاحبها، فيفسخ عزائمه، ويغيّر مقاصده، ويلهمه رشده، أو يُزيغ قلبه عن الصراط السوي، وفي الحديث:«يا مقلب القلوب ثبِّت قلبي على دينك» قال ابن عباس: يحول بين المؤمن والكفر، وبين الكافر والإِيمان قال أبو حيان: وفي ذلك حضٌ على المراقبة، والخوف من الله تعالى والمبادرة إِلى الاستجابة له جلَّ وعلا {وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أي وأنه سبحانه إِليه مرجعكم ومصيركم فيجازيكم بأعمالكم {واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} أي احذروا بطش الله وانتقامه إن عصيتم أمره واحذروا فتنة إن نزلت بكم لم تقتصر على الظالم خاصة بل تعم الجميع، وتصل إِلى الصالح والطالح، لأو الظالم يهلك بظلمه وعصيانه، وغير الظالم يهلك لعدم منعه وسكوته عليه وفي الحديث «إِن الناس إِذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعذابٍ من عنده»
قال ابن عباس: أمر الله المؤمنين ألاّ يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب، فيصيب الظالم وغير الظالم {واعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ