المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى الأدلة والبراهين على وحدانية رب العالمين، ذكر هنا شبهات المشركين في الإِيمان بالآخرة والبعث والنشور، وأردفها بذكر الدلائل القاطعة، وذكر بعض الأهوال التي تكون بين يدي الساعة.
اللغَة:{رَدِفَ} اقترب ودنا {تُكِنُّ} تُسِرُّ وتخفي {دَاخِرِينَ} ذليلن صاغرين {فَوْجاً} الفوج: الجماعة {جَامِدَةً} الجمود: سكون الشيء وعدم حركته {أَتْقَنَ} الإِتقان: الإِتيانُ بالشيء على أحسن حالاته من التمام والكمال والإِحكام {كُبَّتْ} الكبُّ: الطرح والإِلقاء يقال: كببتُ الرجل ألقيتُه على وجهه، وكببتُ الإِناء قلبتُه.
التفسِير:{وَقَالَ الذين كفروا أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ} أي قال مشركو مكة المنكرون للبعث: أئذا متنا وأصبحنا رفاً وعظاماً باليه، فهل سنخرج من قبورنا ونحيا مرة ثانية؟ {لَقَدْ وُعِدْنَا هذا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا مِن قَبْلُ} أي لقد وَعدنا محمدٌ بالبعث كما وعَدَ من قبله آباءنا الأولين، فلو كان حقاً لحصل {إِنْ هاذآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين} أي ما هذا إلا خرافات وأباطيل السابقين. ينكرون البعث ونسون أنهم خُلقوا من العدم، وأن الذي خلقهم أولاً قادر على أن يعيدهم ثانياً! {قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض} أي قل لهؤلاء الكفار: سيروا في أرجاء الأرض {فَاْنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المجرمين} أي فانظروا - نظر اعتبار - كيف كان مآل المكذبين للرسل؟ ألم يهلكهم الله ويدمّرهم؟ فما حدث للمجرمين من قبل، يحدث للمجرمين من بعد، والآيةُ وعيدٌ وتهديد {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ} تسلية للرسول عليه السلام أي لا تحزن يا محمد ولا تأسف على هؤلاء المكذبين إنْ لم يؤمنوا، ولا يضيقْ صدرك من مكرهم فإِن الله يعصمك منهم {وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أي يقولون استهزاءً: متى يجيئنا العذاب إن كنتم صادقين فيما تقولون؟ والخطابُ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمؤمنين {قُلْ عسى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الذي تَسْتَعْجِلُونَ} أي لعلَّ الذي تستعجلون به من العذاب قد دنا وقرُب منكم بعضه قال المفسرون: هو ما أصابهم من القتل والأسر يوم بدر {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس} أي لذو إفضالٍ وإِنعامٍ على الناس بترك تعجيل عقوبتهم على معاصيهم وكفرهم {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ} أي ولكنَّ أكثرهم لا يعرفون حقَّ النعمة، ولا يشكرون ربهم {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} أي وإِنه تعالى ليعلم ما يُخْفون وما يعلنون من عداوة