للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المنَاسَبَة: لما حكى تعالى عن أهل الكتاب أنهم تركوا العمل بالتوارة والإِنجيل وحكم عليهم بالكفر والظلم والفسوق، حذّر تعالى في هذه الآيات من موالاة اليهود والنصارى، ثم عدّد جرائم اليهود وما اتهموا به الذات الإِلهية المقدسة من شنيع الأقوال وقبيح الفعال.

اللغَة: {دَآئِرَةٌ} واحدة الدوائر وهي صروف الدهر ونوازله قال الراجز:

تردُّ عنكَ القَدرَ المَقْدُورَا ... ودائرتِ الدَّهر أنْ تَدُورا

{حَبِطَتْ} بطلت وذهبت {تَنقِمُونَ} تنكرون وتعيبون {السحت} الحرام وقد تقدم {مَغْلُولَةٌ} مقبوضة والغلُّ: القيد يوضع في اليد وهو كناية عن البخل، وغلّة وضع القيد في يده {أَطْفَأَهَا} الإِطفاء: الإِخماد حتى لا يبقى هناك أثر {مُّقْتَصِدَةٌ} أي عادلة غير متغالية من القصد وهو الاعتدال.

سَبَبُ النّزول: ١ - عن ابن عباس قال: كان «رفاعةُ بن زيد» و «سُوَيْد بن الحارث» قد أظهرا الإِسلام ثم نافقا، وكان رجال من المسلمين يوادونهما فأنزل الله {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الذين اتخذوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً ... } الآية.

ب - عن ابن عباس قال: جاء نفرٌ من اليهود إِلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فسألوه عمن يؤمن به من الرسل عليهم السلام، فقال: أومن بالله وما أُنزل إِلينا وما أُنزل إِلى إِبراهيم وإِسماعيل إِلى قوله «ونحن له مسلمون» فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا: والله ما نعلم أهل دينٍ أقلَّ حظاً في الدنيا والآخرة منكم، ولا ديناً شراً من دينكم فأنزل الله {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً عِندَ الله} الآية.

التفِسير: {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَآءَ} نهى تعالى المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى ينصرونهم ويستنصرون بهم ويصافونهم ويعاشرونهم معاشرة المؤمنين {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} أي هم يدٌ واحدة على المسلمين لاتحادهم في الكفر والضلال، وملةُ الكفر واحدة {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} أي من جملتهم وحكمهُ حكمهمُ قال الزمخشري: وهذا تغليظٌ من الله وتشديدٌ في مجانبة المخالف في الدين واعتزاله كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «لا تراءى نارهما» {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين} أي لا يهديهم إِلى الإِيمان {فَتَرَى الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} أي شك ونفاق كعبد الله بن أُبيّ وأصحابه يسارعون في مُوالاتهم ومُعاونتهم {يَقُولُونَ نخشى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ} أي يقولون معتذرين عن موالاة الكافرين نخاف حوادث الدهر وشروره أن يظفر اليهود بالمسلمين فلا يتم الأمر لمحمد قال تعالى رداً على مزاعمهم الفاسدة {

<<  <  ج: ص:  >  >>