المناسبة: لّّما ذكر تعالى في الآيات السابقة العبادات التي تًُطهرّ القلوب، وتزكّي النفوس كالصيام، والصدقة، والحج، وذكر أن في الناس من يطلب الدنيا ولا غاية له وراءها، ومنهم من تكون غايته نيل رضوان الله تبارك وتعالى، أعقبها بذكر نموذج عن الفريقين: فريق الضلالة الذي باع نفسه للشيطان، وفريق الهدى الذي باع نفسه للرحمن، ثم حذَّر تبارك وتعالى من اتباع خطوات الشيطان، وبيَّن لنا عداوته الشديدة.
اللغة:{أَلَدُّ} اللَّدَدُ: شدة الخصومة قال الطبري: الألدُّ: الشديد الخصومة وفي الحديث: «إنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلى الله الألدُّ الخَصِم»{الحرث} : الزرع لأنه يزرع ثم يحرث {النسل} الذريّة والولد، وأصله الخروج بسرعة ومنه {إلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ}[يس: ٥١] وسمي نسلاً لأنه ينسل - يسقط - من بطن أمه بسرعة. {العزة} الأنفة والحميَّة. {حَسْبُهُ} حسب اسم فعل بمعنى كافيه. {المهاد} : الفراش الممهَّد للنوم. {يَشْرِي} : يبيع. {ابتغآء} طلب. {السلم} بكسر السين بمعنى الإسلام وبفتحها بمعنى الصلح، وأصله من الاستسلام وهو الخضوع والانقياد قال الشاعر:
دَعَوْتُ عشيرتي للسِّلْمِ حتى ... رأيْتهُم تَوَلَّوْا مُدْبرينا
{زَلَلْتُمْ} الزّلل: الانحراف عن الطريق المستقيم وأصله في القدم ثم استعمل في الأمور المعنوية، {ظُلَلٍ} جمع ظلّة وهي ما يستر الشمس ويحجب أشعتها عن الرؤية.
سَبَبُ النّزول: ١ - روي أن الأخنس بن شريق أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فأظهر له الإسلام وحلف أنه يحبه، وكان منافقاً حسن العلانية خبيث الباطن، ثم خرج من عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فمرَّ يزرع لقوم من المسلمين وحُمُر فأحرق الزرع وقتل الحُمُر فأنزل الله تعالى فيه الآيات {وَمِنَ الناس مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ ... } الآية وإلى قوله: {وَإِذَا تولى سعى فِي الأرض لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الحرث والنسل ... } الآية.
٢ - وروي أن صهيباً الرومي لما أراد الهجرة إلى المدينة المنورة لحقه نفر من قريش من المشركين ليردوه فنزل عن راحلته ونثر ما في كنانته وأهذ قوسه ثم قال: يا معشر قريش لقد علمتم