المنَاسَبَة: لما ذكر أن الخلق صائرون إلى الموت، وأن المؤمنين والكافرين سيختصمون عند ربهم في أمر التوحيد والشرك، وأنه تعالى يفصل بينهم، ذكر هنا جزاء كلٍ من الفريقين، ثم أتبعه بذكر قبائح المشركين واعتدادهم بشفاعة الأوثان والأصنام.
اللغَة:{مَثْوًى} مأوى ومقام، مشتقٌ من ثَوى بالمكان إِذا أقام به {يُخْزِيهِ} يُهينه ويُذله {اشمأزت} نفرتْ وانقبضتْ {فَاطِرَ} خالق ومبدع {يَحْتَسِبُونَ} يظنون ويؤملون يقال: جاءه الأمر من حيث لا يحتسب أي من حيث لا يظن {حَاقَ} نزل وأحاط بهم من كل جانب {خَوَّلْنَاهُ} منحناه وأعطيناه تفضلاً وكرماً {مُعْجِزِينَ} فائتين من العذاب {يَقْدِرُ} يضيق ويُقتِّر.
التفسِير:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى الله} الاستفهام إِنكاري بمعنى النفي أي لا أحد أظلم ممن كذب على الله بنسبة الشريك له والولد {وَكَذَّبَ بالصدق إِذْ جَآءَهُ} أي وكذَّب بالقرآن والشريعة وقت مجيئه من غير تدبر ولا تأمل؟ أي لا أحد أظلم ممن حاله ذلك، فإِنه أظلم من كل ظامل {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} ؟ أي أليس في جهنم مقام ومأوى لهؤلاء الكافرين المكذبين؟ والاستفهام هنا تقريري أي بلى لهم مأوى ومكان {والذي جَآءَ بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ} أي وأما الذين جاءوا بالصدق وهم الأنبياء، والذين صدَّقوا به وهم المؤمنون أتباعُ الرسل {أولئك هُمُ المتقون} أي فأؤلئك الموصوفون بالصفات الحميدة هم أهل التقوى والصلاح الذي يستحقون كل إحسان وإكرام {لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ} أي لهم كل ما يشتهون في الجنة من الحور، والقصور، والملاذِّ، والنعيم {ذَلِكَ جَزَآءُ المحسنين} أي ذلك الذي ينالونه هو ثواب كل محسن، أحسن في هذه الحياة قال بعض المفسرين:«الذي جاء بالصدق» هو محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «وصدَّق به» هو أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، والاختيارُ أن يكون على العموم حتى يشترك في هذه الصفة كل الرسل الكرام، وكل من دعا إلى هذا الصدق عن عقيدة وإِيمان من أتباعٍ الرسل، ونيدل عليه {أولئك هُمُ المتقون} بصيغة الجمع، وهذا اختيار ابن عطية {لِيُكَفِّرَ الله عَنْهُمْ أَسْوَأَ الذي عَمِلُواْ} أي هؤلاء الذين صدَّقوا الأنبياء سيغفر الله لهم ما أسلفوا من الأعمال السيئة فلا يعاقبهم بها {وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي ويثيبهم على طاعاتهم في الدنيا بحساب الأحسن الذي عملوه فضلاً منه وكرماً قال المفسرون: العدلُ أن تُحسب الحسنات وتُحسب السيئات، ثم يكون الجزاء، والفضلُ هو الذي يتجلى به الله على عباده المتقين، فيكفر عنهم أسوأ أعمالهم، فلا يبقى لها حساب في ميزانهم، وأن يجزيهم أجرهم بحساب أحسن الأعمال، فتزيد حسناتُهم وتعلو وترجّح كفة الميزان، وهذا من زيادة