المنَاسَبَة: لمّا ذكر تعالى مآل السعداء المتقين، ثنَّى بذكر حال الأشيقاء المجرمين، ثم ذكر الأدلة على صدق رسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وختم السورة الكريمة بذكر قصة آدم وإِبليس وامتنعه عن السجود لآدم، تحذيراً للبشر من عدوهم الأكبر ومن وساوسه وإِغوائه.
اللغَة {غَسَّاقٌ} الغسَّاق: ما يخرج من لحوم الكفرة من الصديد والقيح والنتن {زَاغَتْ} مالت {سِخْرِيّاً} بكسر السين وهو الهزء والسخرية {مُّقْتَحِمٌ} الاقتحام: ركوب الشدة والدخول فيها ومنه اقتحام المخاطر {سَوَّيْتُهُ} أتممت خلقه على أكمل الوجوه {العالين} المتكبرين، وعلا في الأرض: تكبر وتجبر {رَجِيمٌ} مرجوم بالكواكب والشهب.
التفسِير:{هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ}{هذا} خبرٌ لمبتدأ محذوف تقديره الأمرُ هذا وهي بمنزلة أما بعد، ثم قال {وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ} أي وإِنَّ للكافرين الذين كذبوا الرسل، لشرَّ منقلب يصيرون إليه في الآخرة ثم فسَّر هذا المصير بقوله {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ المهاد} أي جهنم يذقونها ويصلون سعيرها، وبئست جهنم فراشاً ومهاداً لهم قال ابن الجزي: لما تمَّ ذكر أهل الجنة ختمه بقوله {هذا} ثم ابتدأ بذكر وصف أهل النار، وعنى بالطاغين الكفار {هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} أي هذا هو العذاب الأليم فليذوقوه وهو الحميم أي الماء الحار المحرق، والغسَّاق وهو ما يسيل من صديد أهل النار قال الطبري: في الآية تقديم وتأخير أي هذا حميم وغساق فليذقوه، والحميمُ الذين أُغلي حتى انتهى حره، والغسَّاق ما يسيل من جلودهم من الصديد والدم {وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} أي وعذابٌ أخر من هذا العذاب المذكور كالزمهرير، والسموم، وأكل الزقوم له منه أنواع وأصناف. . ثم حكى ما يقال للرؤساء الطاغين إذا دخلوا النار فقال {هذا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لاَ مَرْحَباً بِهِمْ} أي تقول لهم خزنة جهنم: هذا جمع كثيف قد اقتحم معكم النار، ودخلوها بصحبتكم كما اقتحموا معكم في الجهل والضلال، لا أهلاً ولا مرحباً بهم {إِنَّهُمْ صَالُواْ النار} أي إِنهم ذائقو النار، وداخلوها كما دخلتموها أنتم قال الرازي: والاقحتامُ ركوبُ الشدة والدخولُ فيها، وهذا من كلام خزنة جهنم لرؤساء الكفرة عن أتباعهم، والعرب تقول لمن يدعون له: مرحباً أي أتيتَ رحباً في البلاد لا