للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المنَاسَبَة: لمَّا عدَّد تعالى نعمه على العباد، وأقام الأدلة والبراهين على قدرته وعزته وسلطانه، ذكَّرهم هنا بحاجتهم إليه، واستغنائه جل وعلا عن جميع الخلق، وضرب الأمثال للتفريق بين المؤمن والكافر، والبرُّ والفاجر، بالأعمى والبصير، والظلام والنور، «فبضدّها تتميز الأشياء» .

اللغَة: {وِزْرَ} الوزرُ: الجبل المنيع الذي يعتصم به ومنه {كَلاَّ لاَ وَزَرَ} [القيامة: ١١] ثم قيل للثقيل: وِزْرٌ تشبيهاً له بالجبل، ثم استعير للذنب لما فيه من إثقال كاهل الإِنسان. {تُنذِرُ} تخوف، والإِنذار التخويف. {الغيب} ما غاب عن الإِنسان ولم تدركه حواسه، قال الشاعر:

وبالغيب آمنا وقد كان قومنا ... يُصلُّون للأوثان قبل محمد

{الحرور} شدة حر الشمس، قال في المصباح: الحرُّ خلال البرد والاسم الحرارة، وحرَّ النار: توقَّدت واستعرت، والحَرور: الريح الحارة. {جُدَدٌ} جمع جدَّة بالضم وهي الطريقة والعلامة، قال الجوهري: والجُدَّة: الخُطَّة التي في ظهر الحمار تخالف لونه، والجُدة الطريقة والجمع جدد وهي الطرائق المختلفة الألوان، قال القرطبي: قال الأخفش: لو كان جمع جديد لقال «جُدُد» بضم الجيم والدال نحو سُرر. {غَرَابِيبُ} جمع غربيب وهو الشديد السواد، يقال: أسود غربيب أي شديد السواد، قال امرؤ القيس:

العينُ طامحةٌ، واليدُ سابحةٌ ... والرجلُ لافحةٌ، والوجه غربيب

التفسِير: {ياأيها الناس أَنتُمُ الفقرآء إِلَى الله} الخطاب لجميع البشر لتذكيرهم بنعم الله الجليلة عليهم أي أنتم المحتاجون إليه تعالى في بقائكم وكل أحوالكم، وفي الحركات والسكنات {والله هُوَ الغني الحميد} أي وهو جل وعلا الغنيُّ عن العالم على الإِطلاق، المحمودُ على نعمه التي لا تُحْصى، قال أبو حيان: هذه آيةُ موعظةٍ وتذكير، وأن جميع الناس محتاجون إلى إحسان الله تعالى وإِنعامه، في جميع أحوالهم، لا يستغنى أحدٌ عنه طرفة عين، وهو الغنيُّ عن العالم على الإِطلاق، المحمود على ما يسديه من النعم، المستحق للحمد والثناء، ثم قرر اسغناءه عن الخلق بقوله: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} أي لو شاء تعالى لأهلككم وأفناكم وأتى بقومٍ آخرين غيركم، وفي هذا وعيدٌ وتهديد {وَمَا ذَلِكَ عَلَى الله بِعَزِيزٍ} أي وليس ذلك بصعب أو ممتنع على الله، بل هو سهر يسير عليه سبحانه، لأنه يقول للشيء كنْ فيكون {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} أي لا تحمل نفسٌ آثمةٌ إثم نفسٍ أخرى، ولا تعاقب بذنب غيرها كما يفعل جبابرة الدنيا من أخذ الجار بالجار، والقريب بالقريب {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} أي وإن تدع نفس مثقلةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>