المنَاسَبَة: لما أثنى تعالى على الذين يتلون كتاب الله، ذكر هنا انقسام الأمة الإِسلامية أمام هذا الكنز الثمين إلى ثلاثة أقسام: الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق بالخيرات، ثم ذكر مآل الأبرار والفجار، ليظل العبد بين الخوف والرجاء، والرغبة والرهبة.
اللغَة:{نَصَبٌ} تعب ومشقة جسماينة. {لُغُوبٌ} اللُّغُوب: الإعياء والضعف والفتور ومنه {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ}[ق: ٣٨] . {يَصْطَرِخُونَ} من الصراخ وهو الصياح بصوت عال، والصارخ: المستغيث، والمُصْرخ: المغيث، قال سلامة بن جندب:
كنَّا إذا ما أتانا صارخٌ فزعٌ ... كان الصُّراخ له قرع الظَّنابيب
{النذير} المنذر الذي يخوّف الناس من عذاب الله. {خَلاَئِفَ} جمع خليفة وهو الذي يخلف غايره في أمرٍ من الأمور. {مَقْتاً} المقت: أشد البغض والغضب. {خَسَاراً} هلاكاً وضلالاً. {يَحِيقُ} حاق به الشيء: نزل وأحاط.
التفسِير:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا} أي ثم أورثنا هذا القرآ، العظيم لأفضل الأمم وهم أمة محمد عليه السلام الذين اختارهم على سائر الأمم، وخصصناهم بهذا الفضل العظيم، القرآن المعجز خاتمة الكتب السماوية، قال الزمخشري: والذين اصطفاهم الله هم أمة محمد من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة. . ثم قسمهم إلى ثلاثة أصناف فقال:{فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات بِإِذُنِ الله} أي فمن هؤلاء الذين أورثناهم الكتاب مَن هو مقصِّر في عمل الخير، يتلو القرآن ولا يعمل به وهو الظالم لنفسه، ومنهم مَن هو متوسط في فعل الخيرات والصالحات، يعمل بالقرآن في أغلب الأوقات، ويقصِّر في بعض الفتراتع وهو المقتصد، ومنهم مَن هو سبَّاق في العمل بكتاب الله، يستبق الخيرات وقد أحرز قصب السبق في فعل الطاعات بتوفيق الله وتيسيره وهو السابق بالخيرات بإِذن الله، قال ابن الجزي: وأكثير المفسرين أن هذه الأصناف الثلاثة في أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فالظالم لنفسه: العاصي، والسابق: التقيُّ، والمقتصد: بينهما وقال الحسن البصري: السابقُ مَن رجحت حسناته على سيئاته، والظالم لنفسه مَن رجحت سيئاته، والمقتصد مَن استوت حسناته وسيئاته، وجميعهم يدخلون الجنة {ذَلِكَ هُوَ الفضل الكبير} أي ذلك الإِرث والاصطفاء لأمة محمد عليه السلام لحمل أشرف الرسالات والكتب