سَبَبُ النّزول: روي أن أبا سفيان قال لكعب بن الأشرف - أحد أحبار اليهود - إِنك امرؤٌ تقرأ الكتاب وتعلم، ونحن أميون لا نعلم فأينا أهدى طريقاً نحن أم محمد؟ فقال: اعرضوا عليَّ دينكم فقال أبو سفيان: نحن ننحر للحجيج الكوماء، ونسقيهم الماء، ونقري الضيف، ونعمر بيت ربنا، ومحمد فارق دين آبائه وقطع الرحم!! فقال: دينم خير من دينه وأنتم والله أهدى سبيلاً مما هو عليه فأنزل الله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الكتاب ... } الآية.
المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى شيئاً من أحوال الكفار في الآخرة وأنهم يتمنون لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً. . أعقبه بذكر ما عليه اليهود من الكفر والجحود والتكذيب بآيات الله، ثم ذكر طائفة من عقائد أهل الكتاب الزائغة وما أعد لهم من العذاب المقيم في دار الجحيم أعاذنا الله منها.
اللغَة:{رَاعِنَا} راقبنا وانظرنا وهي كلمة سب في العبرية وكان اليهود يقولونها ويعنون بها معنى الرعونة {أَقْوَمَ} أعدل وأصوب {نَّطْمِسَ} الطمس: المحو وإِذهاب أثر الشيء {فَتِيلاً} الفتيل: الخيط الذي في شق النواة {الجبت} اسم الصنم ثم صار مستعملاً لكل باطل {الطاغوت} كل ما عبد من دون الله من حجر أو بشر أو شيطان وقيل هو اسم للشيطان {نَقِيرا} النقير: النقطة التي على ظهر النواة {نُصْلِيهِمْ} ندخلهم.
التفِسير:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الكتاب} الاستفهام للتعجيب من سوء حالهم والتحذير عن موالاتهم أي ألم تنظر يا محمد إِلى الذين أعطوا حظاً من علم التوراة وهم أحبار اليهود {يَشْتَرُونَ الضلالة} أي يختارون الضلالة على الهدى ويؤثرون الكفر على الإِيمان {وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السبيل} أي ويريدون لكم يا معشر المؤمنين أن تضلوا طريق الحق لتكونوا مثلهم {والله أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ} أي هو تعالى أعلم بعداوة هؤلاء اليهود الضَّالين منكم فاحذروهم {وكفى بالله وَلِيّاً وكفى بالله نَصِيراً} أي حسبكم أن يكون الله ولياً وناصراً لكم فثقوا به واعتمدوا عليه وحده فهو تعالى يكفيكم مكرهم. . ثم ذكر تعالى طرفاً من قبائح اليهود اللعناء فقال {مِّنَ الذين هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مَّوَاضِعِهِ} أي من هؤلاء اليهود فريق يبدّلون كلام الله في التوراة ويفسرونه بغير مراد الله قصداً وعمداً فقد غيرّوا نعت محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأحكام الرجم وغير ذلك {وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} أي ويقولون