للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المنَاسَبَة: لمّا بيَّن تعالى فساد اعتقاد المشركين، بسبب عنادهم وإِشراكهم من لا يخلق شيئاَ بمن هو خالق كل شيء، ذكر هنا وصايا «لقمان» الحكيم، وهي وصايا ثمينة في غاية الحكمة والدعوة إِلى طريق الرشاد، وقد جاءت هذه الوصايا مبدوءةً بالتحذير من الشرك الذي هو أقبح الذنوب، وأعظم الجرائم عند الله.

اللغَة: {الحكمة} الإِصابة في القول العمل، وأصلها وضع الشيء في موضعه قال في اللسان: أحكم المر أتقنه ويُقال للرجل إِذا كان حكيماً: قد أحكمته التجارب، والحكيم: المتفن للأمور {يَعِظُهُ} ينصحه ويذركه، والعظةُ والموعظة: النصح والإِرشاد {وَهْناً} الوهن: الضعف ومنه {وَهَنَ العظم مِنِّي} [مريم: ٤] أي ضعف {فِصَالُهُ} الفصال: الفطام وهو لفظ يستعمل في الرضاع خاصة، وأما الفصل فهو أعم، وفصلت المرأة ولدها أي فطمته وتركت إرضاعه {أَنَابَ} رجع، والمنيب الراجع إِلى ربه بالتوبة والاستغفار {تُصَعِّرْ} الصَّعر: بفتحتين في الأصل داءٌ يصيب البعير فيلوي منه عنقه ثم استعمل في ميل العنق كبراً وافتخاراً قال عمرو التغلبي:

وكنَّا إِذا الجبَّار صعَّر خدَّه ... أقمنا له من ميله فتقومّ

{مَرَحاً} فرحاً وبطراً وخيلاء {مُخْتَالٍ} متبختر في مشيته {اقصد} توسَّط، والقصد: التوسط بين الإِسراع والبطء {اغضض} عضَّ الصوت خفضه قال جرير:

فغُضَّ الطرف إِنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا

التفسِيْر: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الحكمة} أي والله لقد أعطينا لقمان الحكمة وهي الإصابة في القول، والسَّداد في الرأي، والنطق بما يوافق الحق، قال مجاهد: الحكمة: الفقه والعقل، والإِصابة في القول، ولم يكن نبياً إِنما كان حكيماً {أَنِ اشكر للَّهِ} أي وقلنا له: أشكر الله على إِنعامه وإِفضاله عليك حيث خصَّك بالحكمة وجعلها على لسانك قال القرطبي: والصحيح الذي عليه الجمهور أن «لقمان» كان حكيماً ولم يكن نبياً وفي الحديث «لم يكن لقمان نبياً، ولكن كان عبداً كثير التفكر، حسن اليقين، أحبَّ الله تعالى فأحبَّه، فمنَّ عليه بالحكمة» {وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} أي ومن يشكر ربه فثواب شكره راجع لنفسه، وفائدته إنما تعود عليه، لن الله تعالى لا ينفعه شكر من شكر، ولا يضره كفر من كفر ولهذا قال بعده {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ حَمِيدٌ} أي ومن جحد نعمة الله فإِنما أساء إلى نفسه، لأن الله مستغنٍ عن العباد، محمودٌ على كل حال، مستحقٌ للحمد لذاته وصفاته قال الرازي: المعنى أن الله غير محتاج إِلى شكر حتى يتضرَّر بكفر الكافر، فهو في نفسه محمود سواء شكره الناس أم لم يشكروه، ثم ذكر تعالى بعض نصائح لقمان لابنه وبدأ بالتحذير له من الشرك، الذي هو نهاية القبح والشناعة فقال {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يابني لاَ تُشْرِكْ بالله} أي واذكر لقومك موعظة لقمان الحكيم لولده، حين قال له واعظاً ناصحاً مرشداً: يا بني كن عاقلاً ولا تشرك بالله أحداً، بشراً أو صنماً أو ولداً {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} أي إِن ال شر ك قبيح،

<<  <  ج: ص:  >  >>