المنَاسَبَة: لما استقصى تعالى في الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، وذكر جملة المكارم والفضائل، حذَّر تعالى هنا من نقض العهود والمواثيق وعصيان أوامر الله تعالى، لأن العصيان سبب البلاء والحرمان، ثم ذكر تعالى ما أعده لأهل الإِيمان من الحياة الطيبة الكريمة.
اللغَة:{تَنقُضُواْ} النقض ضدُّ الإبرام، وهو فك أجزاء الشيء بعضها من بعض {تَوْكِيدِهَا} التوكيد التثبيتُ يقال: توكيد وتأكيد {أَنكَاثاً} أنقاضاً والنكث: النقضُ بعد الفتل {دَخَلاً} الدَّخل: الدَّغل والخديعة والغش قال أبو عبيدة: كل أمرٍ لم يكن صحيحاً فهو دخَل {يَنفَدُ} نفد الشيء ينْفد فني {أَعْجَمِيٌّ} الأعجمي الذي لا يتكلم العربية وقال الفراء: الأعجم الذي في لسانه عجمة وإن كان من العرب، والعجمي الذي أصله من العجم {يُلْحِدُونَ} الإِلحاد: الميل يقال لحد وألحد إِذا مال عن القصد والاستقامة.
سَبَبُ النّزول: أ - روي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان يجلس عند المروة إِلى غلام نصراني يقال له «جبْر» وكان يقرأ الكتب فقال المشركون: والله ما يعلِّمه ما يأتي به إِلا خبرٌ الرومي فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ... } الآية.
ب - عن ابن عباس أن المشركين أخذوا عمّار بن ياسر وأباه ياسراً وأمه سُميَّة وصهيباً وبلالاً فعذبوهم، ورُبطت «سُميَّة» بين بعيرين ووُجئ قُبُلها بحربة فقُتلت، وقُتل زوجها ياسر - وهما أول قتيلين في الإِسلام - وأمّا عمّار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مُكرهاً، فشكا ذلك إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال له الرسول الكريم: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئنٌ بالإيمان، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: فإن عادوا فعُدْ وأنزل الله {مَن كَفَرَ بالله مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان ... } الآية.
التفسير:{وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله إِذَا عَاهَدتُّمْ} أي حافظوا على العهود التي عاهدتم عليها الرسول أو الناس وأدوها على الوفاء والتمام {وَلاَ تَنقُضُواْ الأيمان بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} أي ولا تنقضوا أيمان البيعة بعد توثيقها بذكر الله تعالى {وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} أي جعلتم الله شاهداً ورقيباً على تلك البيعة {إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} أي عليم بأفعالكم وسيجازيكم عليها {وَلاَ تَكُونُواْ كالتي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً} هذا مثلٌ ضربه الله لمن نكث عهده، شبِّهت الآية الذي يحلف ويعاهد ويُبرم عهده ثم ينقضه بالمرأة تعزل غزلها وتفتله محكماً ثم تحلُه أنكاثاً أي أنقاضاً قال المفسرون: كان بمكة امرأة حمقاء تعزل غزلاً ثم تنقضه، وكان الناس يقولون: ما أحمق هذه { {تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ