المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى أن ملة إِبراهيم هي ملة الحنيفية السمحة، وأن من لم يؤمن بها ورغب عنها فقد بلغ الذروة العليا في الجهالة والسفاهة، ذكر تعالى ما عليه أهل الكتاب من الدعاوى الباطلة من زعمهم أن الهداية في اتباع اليهودية والنصرانية، وبيّن أن تلك الدعوى لم تكن عن دليل أو شبهة بل هي مجرد جحود وعناد، ثم عقب ذلك بأن الدين الحق هو في التمسك بالإِسلام، دين جميع الأنبياء والمرسلين.
اللغة:{حَنِيفاً} الحنيف: المائل عن الدين الباطل إلى الدين الحق، والحنفُ الميل وبه سمي الأحنف لميلٍ في إِحدى قدميه قال الشاعر:
ولكنّا خُلقنا إِذ خُلقنا ... حنيفاً دينُنا عن كل دين
{وَالأَسْبَاطَ} جمع سِبْط وهم حفدةُ يعقوب أي ذريات أبنائه وكانوا اثني عشر سبطاً وهم في بني إِسرائيل كالقبائل في العرب {شِقَاقٍ} الشقاق: المخالفة والعداوة وأصله من الشق وهو الجانب أي صار هذا في شق وهذا في شق {فَسَيَكْفِيكَهُمُ} من الكفاية بمعنى الوقاية {صِبْغَةَ الله} الصبغة مأخوذة من الصَّبْغ وهو تغيير الشيء بلونٍ من الألوان والمراد بها الدِّينُ {أَتُحَآجُّونَنَا} أتجادلوننا من المحاجّة وهي المجادلة {مُخْلِصُونَ} الإِخلاص أن يقصد بالعمل وجه الله وحده.
التفِسير:{وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نصارى تَهْتَدُواْ} أي قال اليهود كانوا على ملتنا يهوداً تهتدوا وقال النصارى كونوا نصارى تهتدوا فكلٌ من الفريقين يدعو إِلى دينه المعوج {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} أي قل لهم يا محمد بل نتّبع ملة الحنيفية السمحة وهي ملة إِبراهيم حال كونه مائلاً عن الأديان كلها إِلى الدين القيم وما كان إِبراهيم من المشركين بل كان مؤمناً موحّداً وفيه تعريض بأهل الكتاب وإِيذان بأنَّ ما هم عليه إِنما هو شرك وضلال. {قولوا آمَنَّا بالله وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا} أي قولوا أيها المؤمنون آمنا بالله وما أنزل إِلينا من القرآن العظيم {وَمَآ أُنزِلَ إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ والأسباط} أي وآمنا بما أنزل إِلى إِبراهيم من الصحف والأحكام التي كان الأنبياء متعبديون بها وكذلك حفدة إِبراهيم وإِسحاق وهم الأسباط حيث كانت النبوة فيهم {وَمَآ أُوتِيَ موسى وعيسى} أي من التوراة والإِنجيل {وَمَا أُوتِيَ النبيون مِن رَّبِّهِمْ} أي ونؤمن بما أنزل على غيرهم من الأنبياء جميعاً ونصدّق بما جاءوا به من عند الله من الآيات البينات والمعجزات الباهرات {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ} أي لا نؤمن بالبعض ونكفر بالبعض كما فعلت اليهود والنصارى {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} أي منقادون لأمر الله خاضعون لحكمه {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهتدوا} أي إِن آمن أهل الكتاب بنفس ما آمنم به معشر المؤمنين فقد اهتدوا إِلى الحق كما اهتديتم {وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ