فَعَسَى الله أَن يَأْتِيَ بالفتح} يعني فتح مكة وهذه بشارة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمؤمنين بوعده تعالى بالفتح والنصرة {أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ} أي يُهلكهم بأمرٍ من عنده لا يكون فيه تسبّبٌ لمخلوق كإِلقاء الرعب في قلوبهم كما فعل ببني النضير {فَيُصْبِحُواْ على مَآ أَسَرُّواْ في أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} أي يصير المنافقون نادمين على ما كان منهم من موالاة أعداء الله من اليهود والنصارى {وَيَقُولُ الذين آمَنُواْ} أي يقول المؤمنون تعجباً من حال المنافقين إِذا هتك الله سترهم {أهؤلاء الذين أَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ} أي حلفوا لكم يا معشر اليهود بأغلظ الإِيمان إِنهم لمعكم بالنصرة والمعونة كما حكى تعالى عنهم
{قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ}[الحشر: ١١]{حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ} أي بطلت أعمالهم بنفاقهم فصاروا خاسرين في الدنيا والآخرة {ياأيها الذين آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ} خطابٌ على وجه التحذير والوعيد والمعنى: يا معشر المؤمنين من يرجع منكم عن دينه الحق ويبدّله بدينٍ آخر ويرجع عن الإِيمان إِلى الكفر {فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} أي فسوف يأتي الله مكانهم بأناسٍ مؤمنين يحبّهم الله ويحبّون الله {أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين} أي رحماء متواضعين للمؤمنين أشداء متعززين على الكافرين قال ابن كثير: وهذه صفاتُ المؤمنين الكُمَّل أن يكون أحدهم متواضعاً لأخيه متعززاً على عدوه كقوله تعالى {أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رُحَمَآءُ}[الفتح: ٢٩] ومن علامة حب الله تعالى للمؤمن أن يكون ليّن الجانب متواضعاً لإِخوانه المؤمنين متسربلاً بالعزّة حيال الكافرين والمنافقين {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائم} أي يجاهدون لإِعلاء كلمة الله ولا يبالون بمن لامهم فهم صلاب في دين الله لا يخافون في ذات الله أحداً {ذلك فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ} أي من اتصف بهذه الأوصاف الحميدة فإِنما هو من فضل الله عليه وتوفيقه له {والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ} أي واسع الإِفضال والإِحسان عليهمٌ بمن يستحق ذلك، ثمّ لما نهاهم تعالى عن موالاة الكفرة ذكر هنا من هم حقيقون بالموالاة فقال {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين آمَنُواْ} أي ليس اليهود والنصارى بأوليائكم إِنما أولياؤكم الله ورسوله والمؤمنون {الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ رَاكِعُونَ} أي المؤمنون المتصفون بهذه الأوصاف الجليلة من إِقام الصلاة وإِيتاء الزكاة وهم خاشعون متواضعون لله عَزَّ وَجَلَّ قال في التسهيل: ذكر تعالى الوليَّ بلفظ المفرد إِفراداً لله تعالى بهما، ثم عطف على اسمه تعالى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمؤمنين على سبيل التّبع، ولو قال «إِنما أولياؤكم» لم يكن في الكلام أصلٌ وتبع {وَمَن يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ والذين آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغالبون}