للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العالمين، فإِحسانه عام لجميع الأنام دون تمييز بين مؤمن وكافر وبرٍّ وفاجر، ثم دعا المؤمنين إِلى شكر المنعم جلٍّ وعلا والأكل من الطيبات التي أباحها الله، واجتناب ما حرّمه الله من أنواع الخبائث.

اللغَة: {خُطُوَاتِ الشيطان} جمع خُطوة وهي في الأصل ما بين القدمين عند المشي وتستعمل مجازاً في تتبع الآثار {السواء} أصل السُّوء ما يسوء الإِنسان أي يحزنه ويطلق على المعصية قولاً أو فعلاً أو اعتقاداً لأنها تسوء صاحبها أي تحزنه في الحال أو المآل {الفحشآء} ما يستعظم ويستفحش من المعاصي فهي أقبح أنواع المعاصي {أَلْفَيْنَا} وجدنا ومنه {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا} [يوسف: ٢٥] {إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَآءَهُمْ ضَآلِّينَ} [الصافات: ٦٩] أي وجدوا {يَنْعِقُ} يصيح يقال: نعق الراعي بغنمه ينعِق نعيقاً إِذا صاح بها وزجرها قال الأخطل:

فانعِقْ بضأنك يا جريرُ فإِنما مَنَّتك نفسُك في الخلاء ضلالاً

{أُهِلَّ} الإِهلال: رفع الصوت يقال: أهلَّ المحرم إِذا رفع صوته بالتلبية ومنه إِهلال الصبي وهو صياحه عند الولادة، وكان المشركون إِذا ذبحوا ذكروا اللات والعزَّى ورفعوا بذلك أصواتهم {اضطر} أُلجئ أي ألجأته الضرورة إلى الأكل من المحرمات {بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} الباغي من البغي والعادي من العدوان، وهما بمعنى الظلم وتجاوز الحدّ {يُزَكِّيهِمْ} يطهرهم من التزكية وهي التطهير {شِقَاقٍ} الشقاق: الخلاف والعداوة.

التفسِير: {ياأيها الناس كُلُواْ مِمَّا فِي الأرض حَلاَلاً طَيِّباً} الخطاب عام لجميع البشر أي كلوا ممّا أحله الله لكم من الطيبات حال كونه مستطاباً في نفسه غير ضار بالأبدان والعقول {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان} أي لا تقتدوا بآثار الشيطان فيما يزينه لكم من المعاصي والفواحش {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} أي إِنه عظيم العداوة لكم وعداوته ظاهرة لا تخفى على عاقل {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بالسواء والفحشآء} أي لا يأمركم الشيطان بما فيه خير إِنما يأمركم بالمعاصي والمنكرات وما تناهي في القبح من الرذائل {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} أي وأن تفتروا على الله بتحريم ما أحل لكم وتحليل ما حرّم عليكم فتحلوا وتحرّموا من تلقاء أنفسكم {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتبعوا مَآ أَنزَلَ الله} أي وإِذا قيل للمشركين اتبعوا ما أنزل الله على رسوله من الوحي والقرآن واتركوا ما أنتم عليه من الضلال والجهل {قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ} أي بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا، قال تعالى في الردّ عليهم {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} أي أيتبّعون آباءهم ولو كانوا سفهاء أغبياء ليس لهم عقل يردعهم عن الشر ولا بصيرة تنير لهم الطريق؟ والاستفهام للإِنكار والتوبيخ والتعجيب من حالهم في تقليدهم الأعمى للآباء، ثم ضرب تعالى مثلاً للكافرين في غاية الوضوح والجلاء فقال تعالى {وَمَثَلُ الذين كَفَرُواْ كَمَثَلِ الذي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً} أي ومثل الكفار في عدم انتفاعهم بالقرآن وحججه الساطعة ومثل من يدعوهم إِلى الهدى كمثل الراعي الذي يصيح بغنمه ويزجرها فهي تسمع الصوت والنداء دون أن تفهم الكلام والمراد، أو تدرك المعنى الذي يقال لها، فهؤلاء الكفار كالدواب السارحة لا يفهمون ما تدعوهم إِليه ولا يفقهون، يسمعون القرآن ويصمّون عنه الآذان

{إِنْ هُمْ إِلاَّ كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان: ٤٤] ولهذا قال تعالى {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} أي صمٌّ عن

<<  <  ج: ص:  >  >>