وَلاَ بالذي بَيْنَ يَدَيْهِ} أي لن نصدِّق بالقرآن ولا بما سبقه من الكتب السماوية الدالة على البعث والنشور {وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ} أي ولو شاهدت يا محمد حال الظالمين المنكرين للبعث والنشور في موقف الحساب {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ القول} أي يلوم بعضهم بعضاً ويؤنب بعضهم بعضاً، وجواب {لَوْ} محذوف للتهويل تقديره لرأيت أمراً فظيعاً مهولاً {يَقُولُ الذين استضعفوا لِلَّذِينَ استكبروا لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} أي يقول الأتباع للرؤساء: لولا إضلالكم لنا لكنا مؤمنين مهتدين {قَالَ الذين استكبروا لِلَّذِينَ استضعفوا أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ الهدى بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ} ؟ أي قال الرؤساء جوباً للمستضعفين: أنحن منعناكم عن الإشيمان بعد أن جاءكم؟ لا، ليس الأمر كما تقولون {بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ} أي بل أنتم كفرتم من ذات أنفسكم، بسبب أنكم مجرمين راسخين في الإِجرام {وَقَالَ الذين استضعفوا لِلَّذِينَ استكبروا بَلْ مَكْرُ اليل والنهار} أي وقال الأتباع للرؤساء: بل مكركم بنا في الليل والنهار هو الذي صدَّنا عن الإِيمان {إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بالله وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً} أي وقت دعوتكم لنا إلى الكفر بالله، وأن نجعل له شركاء، ولولا تزيينكم لنا الباطل ما كفرنا {وَأَسَرُّواْ الندامة لَمَّا رَأَوُاْ العذاب} أي أخفى كل من الفريقين الندامة على ترك الإِيمان حين رأوا العذاب، أخفوها مخافة التعيير {وَجَعَلْنَا الأغلال في أَعْنَاقِ الذين كَفَرُواْ} أي وجعلنا السلاسل في رقاب الكفار زيادةً على تعذيبهم بالنار {هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي لا يجزون إلا بأعمالهم التي عملوها ولا يعاقبون إلا بكفرهم وإجرامهم.
البَلاَغَة: تضمنت الآية الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الطباق بين لفظ {يَمِينٍ. . و. . شِمَالٍ} وبين {بَشِيراً. . و. . نَذِيراً} وبين {تَسْتَقْدِمُونَ. . و. . تَسْتَأْخِرُونَ} وبين {استضعفوا. . و. . استكبروا} وهو من المحسنات البديعية.
٢ - جناس الاشتقاق {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السير سِيرُواْ} فإن كلمة {سِيرُواْ} مشقتة من السير.
٣ - التعجيز بدعاء الجماد الذي لا يسمع ولا يحس {قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ الله} .