الجبل الواحد ذا ألوانٍ عجيبة، وفيه عروق تشبه المرجان، ولا سيمان في صخور «المرمر» فسبحان القادر على كل شيء {وَمِنَ الناس والدوآب والأنعام مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ} أي وخلق من لناس، والدواب، والأنعام، خلقاً مختلفاً ألوانه كاختلاف الثمار والجبال، فهذا أبيض، وهذا أحمر، وهذا أسود، والكلُّ خلق الله فتبارك الله أحسن الخالقين.
. ثم لما عدَّد آياتِ الله، وأعلام قدرته، وآثار صنعه، وما خلق من الفطر المختلفة الأجناس أتبع ذلك بقوله:{إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} أي إنما يخشاه تعالى العلماء لأنهم عرفوه حقَّ معرفته، قال ابن كثير: أي إنما يخشاه حقَّ خشيته العلماء العارفون به، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير أتم، والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر {إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ} أي غالب على كل شيء بعظمته، غفور لمن تاب وأناب من عباده، ثم أخبر عن صفات هؤلاء الذين يخافون الله ويرجون رحمته فقال:{إِنَّ الذين يَتْلُونَ كِتَابَ الله} أي يدامون على تلاوة القرآن آناء الليل وآطراف النهار {وَأَقَامُواْ الصلاة} أي أدوها على الوجه الأكمل في أوقاتها، بخشوعها وآدابها، وشروطها وأركانها {وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً} أي وأنفقوا بعض أموالهم في سبيل الله وابتغاء رضوانه في السر والعلن {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} أي يرجون بعملهم هذا تجارة رابحة، لن تكسد ولن تهلك بالخسران أبداً {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ} أي ليوفيهم الله جزاء أعمالهم، وثواب ما فعلوا من صالح الأعمال، ويزيدهم فوق أجورهم من فضله وإنعامه وإحسانه، قال في التسهيل: توفية الأجور هو ما يستحقه المطيع من الثواب، والزيادة: التضعيف فوق ذلك أو النظر إلى وجه الله {إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} أي مبالغ في الغفران لأهل القرآن، شاكر لطاعتهم، قال ابن كثير: كان مطرف إذا قرأ هذه الآية قال: هذه آية القراء {والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب هُوَ الحق} أي والذي أوحيناه إليك يا محمد من الكتاب المنزَّل القرآن العظيم هو الحق الذي لا شك فيه، ولا ريب في صدقه {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} أي حال كونه مصدقاً لما سبقه من الكتب الإِلهية المنزلة كالتوارة والإنجيل والزبور، قال أبو حيان: وفي الآية إشارة إلى كونه وحياً، لأنه عليه السلام لم يكن قارئاً ولا كاتباً وأتى ببيان ما في كتب الله، ولا يكون ذلك إلا من الله {إِنَّ الله بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} أي هو جل وعلا خبير بعباده محيط ببواطن أمورهم وظواهرها، بصيرٌ بهم لا خفى عليه خافية من شؤونهم.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزوها فيما يلي:
١ - الطباق بين {يُذْهِبْ. . و. . يَأْتِ} وبين {الأعمى. . و. . البصير} و {الظلمات. . و. . النور} و {الظل. . و. . الحرور} و {الأحيآء. . و. . الأموات} وبين {نَذِيراً. . وبَشِيراً} وبين {سِرّاً. . وَعَلاَنِيَةً} .