له فلا ذنب عليه بهذا التبديل {إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي واسع المغفرة والرحمة لمن قصد بعمله الإِصلاح.
البَلاَغَة: ١ - {ولكن البر مَنْ آمَنَ} جعل البرُّ نفس من آمن على طريق المبالغة وهذا معهود في كلام البلغاء إِذ تجدهم يقولون: السخاء حاتم، والشعر زهيرٌ أي أن السخاء سخاء حاتم، والشعر شعر زهير، وعلى هذا خرّجه سيبويه حيث قال في كتابه قال جلّ وعزّ: {ولكن البر مَنْ آمَنَ} وإِنما هو ولكنَّ البر برُّ من آمن بالله انتهى ونظير ذلك أن تقول: ليس الكرم أن تبذل درهماً ولكنَّ الكرم بذل الآلاف فلا يناسب ولكنَّ الكريم من يبذل الآلاف.
٢ - {وَفِي الرقاب} إِيجاز بالحذف أي وفي فك الرقاب يعني فداء الأسرى، وفي لفظ الرقاب «مجاز مرسل» حيث أطلق الرقبة وأراد به النفس وهو من إِطلاق الجزء وإِرادة الكل.
٣ - {والصابرين فِي البأسآء} الأصل أن يأتي مرفوعاً كقوله {والموفون بِعَهْدِهِمْ} وإِنما نصب على الاختصاص أي وأخصُّ بالذكر الصابرين وهذا الأسلوب معروف بين البلغاء فإِذا ذُكرت صفاتٌ للمدح أو الذم وخولف الإِعراب في بعضها فذلك تفننٌ ويسمى قطعاً لأن تغيير المألوف يدل على مزيد اهتمام بشأنه وتشويق لسماعه.
٥ - {أولئك الذين صَدَقُواْ} الجملة جاء الخبر فيها فعلاً ماضياً «صدقوا» لإِفادة التحقيق وأن ذلك وقع منهم واستقر، وأتى بخبر الثانية في جملة اسمية {وأولئك هُمُ المتقون} ليدل على الثبوت وأنه ليس متجدداً بل صار كالسجية لهم ومراعاة للفاصلة أيضاً.
٦ - {حَقّاً عَلَى المتقين} ذكر المتقين من باب الإِلهاب والتهييج.
٧ - الطباق بين {اتباع} و {وَأَدَآءٌ} وبين {الحر} و {العبد} .
الفوَائِد: الأولى: في ذكر الأخوة تعطفُ داع إِلى العفو فقد سمّى الله القاتل أخاً لولي المقتول {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} تذكيراً بالأخوَّة الدينية والبشرية حتى يهزّ عطف كل واحد منهما إِلى الآخر فيقع بينهم الفعو والاتباع بالمعروف والأداء بالإِحسان.
الثانية: كان في بني إِسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية، وكان في النصارى الدية ولم يكن فيهم القصاص، فأكرم الله هذه الأمة المحمدية وخيرّها بين القصاص والدية والعفو، وهذا من يسر الشريعة الغراء التي جاء بها سيَّد الأنبياء صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
الثالثة: اتفق علماء البيان على أن هذه الآية {وَلَكُمْ فِي القصاص حياوة} بالغة أعلى درجات البلاغة، ونقل عن العرب في هذا المعنى قولهم: القتل أنفى للقتل، ولكنْ لورود الحكمة في القرآن فضلٌ من ناحية حسن البيان، وإِذا شئتَ أن تزداد خبرة بفضل بلاغة القرآن وسمو مرتبته على مرتبة ما نطق به بلغاء البشر فانظر إِلى العبارتين فإِنك تجد من نفحات الإِعجاز ما ينبهك لأن تشهد الفرق بين كلام الخالق وكلام المخلوق، أما الحكمة القرآنية فقد جعلت سبب الحياة القصاصُ وهو القتل عقوبةً